بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (112)

قوله تعالى :

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً } يعني : أعداء ومعنى ذلك كما جعلنا لك ولأمتك أعداء مثل أبي جهل وأصحابه كذلك جعلنا لكل نبي عدواً { شياطين الإنس والجن } قال مقاتل وذلك أن إبليس وكل شياطين الإنس وشياطين الجن يضلونهم فإذا التقى شيطان الجن مع شيطان الإنس قال أحدهما للآخر : إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضْلِلْ أنت صاحبك بكذا وكذا . فذلك قوله : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ } يعني : يكلم بعضهم بعضاً بالإضلال . وقال عكرمة : للجن شياطين مثل شياطين الإنس . وروي عن الزبير بن العوام أنّ جنياً شكا إليه ما لقي من الشيطان ، فعلمه دعاء ليخلص منه فدعا به ، ووجه آخر شياطين الإنس والجن يعني : الشياطين من الإنس والشياطين من الجن ، لأن كل عات متمرد فهو شيطان . وروي عن أبي ذر الغفاري أنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأمرني أن أصلي ركعتين فصليت ثم جلست عنده قال : « يا أَبَا ذَرَ تَعَوَّذْ بِالله مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَشَيَاطِينَ الجِنِّ » فقلت يا رسول الله أوَ من الإنس شياطين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم « أوَ مَا تَقْرَأ قَوْلَهُ { شياطين الإنس والجن } ؟ » وكذلك هذان القولان من قوله تعالى { الذي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس * مِنَ الجنة والناس } [ الناس : 5 ، 6 ] ثم قال { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ } يعن يوسوس بعضهم بعضاً . { زُخْرُفَ القول غُرُوراً } يعني : ما زين منه وحسن وموه يعني : يزين القول باطلاً ، يغرهم بذلك . وأصل الزخرف الذهب . وسمى الزينة زخرفاً لأن أصل الزينة من الذهب يعني : يزين لبعض الأعمال .

ثم قال : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } يعني : لو شاء ربك لمنعهم من الوسوسة ، ولكن الله يمتحن بما يعلم أنه أبلغ في الحكمة وأجزل في الثواب { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } يعني : خلّ عنهم وما يكذبون من القول والغرور .