الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (112)

وقوله : { وكذلك جعلنا لكم شيء عدوا شياطين الإنس{[21471]} } الآية [ 113 ] .

{ عدوا } مفعول أول ل( جعلنا ) ، و{ لكل نبي } : المفعول الثاني ، و( شياطين ) بدل من { عدوا }{[21472]} . ويجوز{[21473]} أن يكون ( شياطين ) مفعولا ثانيا ، و( عَدُوّاً ){[21474]} أولا{[21475]} .

حكى سيبويه أن ( ( جَعَلَ ) بمعنى : ( وَصَفَ ) ){[21476]} ، فيتعدى إلى مفعولين{[21477]} ، ويكون التقدير : وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداء للأنبياء .

{ غرورا } مصدر ، أي : يغرون غرورا{[21478]} . ويجوز أن يكون في موضع الحال{[21479]} . ومعنى الآية : أنه فيها حذف ، والمعنى : وكما جعلنا لك – يا محمد – ولأمتك شياطين الإنس والجن أعداء يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، كذلك جعلنا لكل من تقدمك من الأنبياء وأممهم{[21480]} . وهذا تسلية للنبي عليه السلام فيما لقي من ( كفر ){[21481]} قومه{[21482]} .

ومعنى ( شياطين{[21483]} الإنس ( والجن ){[21484]} : قال السدي : للإنس شياطين تضلهم ، ومثله للجن ، فيَلقى شيطان{[21485]} الإنسي{[21486]} شيطان{[21487]} الجني{[21488]} ، فيقول أحدهما للآخر : ( إني قد أضللت صاحبي بكذا وكذا ، ( فأضلل أنت ){[21489]} صاحبك بذلك ) ، فيُعَلم بعضهم بعضا ، فشياطين الإنس من الجن ، وشياطين الجن من الجن . وكذلك قال عكرمة{[21490]} .

وقيل : المعنى : أن مردة{[21491]} الإنس شياطين ، ومثل ذلك من مردة الجن ، يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذونهم{[21492]} به{[21493]} . وقال مجاهد : شياطين الإنس : كفارهم /{[21494]} ، وشياطين الجن : كفارهم{[21495]} .

والشيطان{[21496]} – في اللغة – هو المتمرد في معاصي الله{[21497]} .

ومعنى { زخرف القول } هو تزيين الباطل ، يُقال : ( زخرف باطله ) : إذا حسَّنه{[21498]} ، فهو تزيين{[21499]} الباطل بالألسنة{[21500]} .

قوله : { ولو شاء ربك ما فعلوه } أي{[21501]} لو شاء الله ما فعل هؤلاء الشياطين العداوة بالأنبياء{[21502]} وأممهم{[21503]} ، ولكن لم يشأ ذلك ليبتلي{[21504]} بعضهم ببعض ، فيستحق كل فريق منهم ما سبق له في ( أم ){[21505]} الكتاب{[21506]} .

والهاء في قوله : { ما فعلوه } تعود على الإيحاء{[21507]} لدلالة ( يوحي ) عليه{[21508]} ، وقيل : على العداوة{[21509]} وذكر لأن التأنيث غير حقيقي .

وقوله : { فذرهم } أي : دعهم وافتراءهم{[21510]} . هذا{[21511]} في معنى التهديد{[21512]} والوعيد{[21513]} .


[21471]:ب د: الإنس والجن.
[21472]:انظر: معاني الزجاج 2/284، وإعراب النحاس 1/575، وإعراب العكبري 532.
[21473]:د: يخوز.
[21474]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها: عدو.
[21475]:انظر: معاني الفراء 1/351، وتفسير الطبري 12/51، ووجها إعراب (شياطين): في إعراب مكي 266.
[21476]:مستدركة في هامش (أ) ومخرومة. وانظر: إعراب النحاس 1/575.
[21477]:انظر: تعديته إلى مفعولين من غير ذكر معناه في الكتاب 1/174، 175، 356.
[21478]:انظر: تفسير الطبري 12/56، ومعاني الزجاد 2/284.
[21479]:هو قول النحاس في إعرابه 1/575، وهو (مصدر في موضع حال) في إعراب مكي 266.
[21480]:انظر: معاني الزجاج 2/284.
[21481]:ساقطة من ب د.
[21482]:انظر: تفسير الطبري 12/50، 51.
[21483]:ب: شياطين تضلهم ومثله للجن فيلقى شياطين.
[21484]:ساقطة من ب.
[21485]:د: شياطين.
[21486]:ب د: الإنس.
[21487]:د: شياطين.
[21488]:ب د: الجن.
[21489]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ب د: فأضل.
[21490]:انظر: تفسير الطبري 12/52 حيث رد هذا القول، وحكامه النحاس في إعرابه عن ابن عباس 1/575، 576.
[21491]:ب : من مردة.
[21492]:ب: يودونهم.
[21493]:وردت روايات عن رسول الله بشأن هذا في تفسير الطبري 12/35 وما بعدها.
[21494]:جلها مطموس مع بعض الخرم.
[21495]:انظر: تفسير الطبري 12/55.
[21496]:مخرومة في أ. د: الشياطين.
[21497]:هو قول النحاس في إعرابه 1/575.
[21498]:الظاهر من الخرم والطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب د: أحسنه.
[21499]:وانظر : مجاز أبي عبيدة 1/250.
[21500]:د: تنزين.
[21501]:انظر: تفسير الطبري 12/51، 55 حيث قول عكرمة بهذا المعنى.
[21502]:ب د: الآية أي.
[21503]:ب د: للأنبياء.
[21504]:ب د: أمتهم. مطموسة ومخرومة في أ.
[21505]:ساقطة من ب د.
[21506]:انظر: تفسير الطبري 12/57، وانظر: معاني الزجاج 2/284.
[21507]:ب: الايجا.
[21508]:انظر: إعراب العكبري 533، والمحرر 6/133، وفي أحكام القرطبي 7/68: (أي ما فعلوا إيحاء القول بالغرور).
[21509]:انظر: المحرر 6/133، وتفسير البحر 4/207.
[21510]:انظر: تفسير الطبري 12/58.
[21511]:ب د: وهذا.
[21512]:د: التهدد.
[21513]:وفي ناسخ ابن العربي 2/213: (الأمر بالقتل والقتال نسخ الترك، فإنه ضده)، وحكى القولين في نواسخ القرآن 157: الأول: النسخ، (والثاني أنه تهديد ووعيد، فهو محكم).