محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (112)

ثم سلى تعالى نبيه عما كان يقاسيه من قومه ، بتأسيه بمن سبقه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فقال سبحانه :

/ [ 112 ] { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ( 112 ) } .

{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن } أي : مثل ذلك الجعل الذي جعلناه في حقك ، حيث جعلنا لك عدوا يضادونك ولا يؤمنون ، جعلنا لكل نبي تقدمك عدوا من مردة الإنس والجن ، فعلوا بهم ما فعل بك أعداؤك ، كما قال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك }{[3641]} . وقال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم{[3642]} : " لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي " .

{ يوحي } أي : يلقي ويوسوس { بعضهم إلى بعض زخرف القول } أي : المموه منه ، المزين ظاهره ، الباطل باطنه ، { غرورا } أي : للضعفاء ، لأن الله تعالى جعلهم أهل الحجاب ، وكذا الغارين ، ليقهرهم بمقتضى استعدادهم . وفي الآية دليل على أن عداوة الكفر للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، بفعل الله سبحانه وتعالى ، وخلقه .

قال المهايمي : لتظهر الحجج بمجادلتهم ، وترتفع شبهاتهم ، ولئلا يقال إنه شخص ساعده الكل ليأكلوا أموال الناس ، أو يتواسوا عليهم .

{ ولو شاء ربك ما فعلوه } أي : ما فعلوا ذلك ، يعني : معاداة الأنبياء ، وإيحاء الزخارف . وهو أيضا دليل على المعتزلة . { فذرهم وما يفترون } أي : من الكفر ، فسوف يعلمون .

ثم عطف على قوله : { غرورا } علة ثانية للإيحاء بقوله تعالى : { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ( 113 ) } .


[3641]:- [41/ فصلت/ 43] {.... إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم (43)}.
[3642]:- هذه قطعة من الحديث الطويل الذي أخرجه البخاري في: 1- كتاب بدء الوحي، 1- حدثنا عبد الله بن يوسف. روته سيدتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.