فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

هي مكية قاله ابن عباس والزبير والحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها . وقيل إلا ثلاث آيات نزلت في الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي قوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا – إلى قوله – فإن مصيركم إلى النار } . وعن ابن عباس قال : هي مكية سوى آيتين منها نزلتا في قتلى بدر من المشركين وهي اثنتان وخمسون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 1 ) }

{ الَر } قد تقدم الكلام في أمثال هذا وبيان قول من قاله أنه متشابه وبيان قول من قال إنه غير متشابه { كِتَابٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هذا القرآن { أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يا محمد { لِتُخْرِجَ النَّاسَ } بدعائك إياهم إلى اتباع ما تضمنه الكتاب من التوحيد وغيره واللام في لتخرج للغرض والغاية والتعريف في الناس للجنس والمعنى أنه صلى الله عليه وآله وسلم يخرج الناس بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه .

{ مِنَ الظُّلُمَاتِ } أي من ظلمات الكفر والجهل والضلالة { إِلَى } ما صاروا إليه من { النُّورِ } أي نور الإيمان والعلم والهداية .

قال الرازي : فيه دليل على أن طريق الكفر والبدعة كثيرة ، وطريق الحق ليس إلا واحدا لأنه عبر عنها بالظلمات وهي صيغة جمع وعبر عن الحق بالنور وهو لفظ مفرد جعل الكفر بمنزلة الظلمات والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة وقيل أن الظلمة مستعارة للبدعة والنور مستعار للسنة وقيل من الشك إلى اليقين ، ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور وأسند الفعل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الداعي والهادي والمنذر .

{ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي بأمره وعلمه وتيسيره وتسهيله ، قال الزجاج ؛ أي بما أذم لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } بدل من قوله إلى النور بتكرير العامل كما يقع مثله كثيرا أي لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها الله لعباده وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها .

ويجوز أن يكون مستأنفا كأنه قيل ما هذا النور الذي أخرجهم إليه فقيل صراط العزيز الحميد لأنه نور في نفسه طريق للخلود في الجنة المؤبد ، وإضافة الصراط إلى الله تعالى لأنه المظهر له وأفهم بتخصيص الوصفين أنه لا يزل سالكه ولا يخيب قاصده ، والعزيز هو القادر الغالب الغني عن جميع الحاجات ، والحميد هو الكامل في استحقاق الحمد .