فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النحل

{ مائة وثمان وعشرون آية }

وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن عبد الله . وروي عن ابن عباس وأبي الزبير أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحد وهي قوله تعالى : { ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا } إلى قوله : { تعملون } وقال قتادة هي مكية إلا خمس آيات وهي قوله : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } وقوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } وقوله : { وإن عاقبتم } إلى آخر السورة . وزاد مقاتل قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه } الآية { وضرب الله مثلا قرية } . وحكى الأصم عن بعضهم أنها كلها مدنية . والأول أولى وتسمى هذه سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من النعم .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 1 ) }

{ أَتَى أَمْرُ اللّهِ } أي جاء ودنا وقرب عقابه للمشركين بالقتل بالسيف ، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه ، وقال جماعة من المفسرين الأمر القيامة ، قال الزجاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم ، ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بأصبعيه يمدهما ) أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد .

وقيل إن المراد بالأمر حكمه بذلك وقد وقع وأتى ، فأما المحكوم به فإنه لم يقع لأنه سبحانه حكم بوقوعه في وقت معين فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود وقيل المراد بإتيانه إتيان مباديه ومقدماته وقال الضحاك : يعني الأحكام والحدود والفرائض .

{ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت فإنه واقع لا محالة ولا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه ، وقد كان المشركون يستعجلون العذاب كما قال النضر بن الحرث : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } الآية . والمعنى قرب أمر الله فلا تستعجلوه وقوعا ، وقد كان استعجالهم على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة ، وفي نهيهم عن الاستعجال تهكم بهم .

{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزه الله وترفع عن إشراكهم أو عن أن يكون له شريك ، وشركهم ههنا هو ما وقع منهم من استعجال العذاب وقيام الساعة استهزاء وتكذيبا ، فإنه يتضمن وصفهم له سبحانه بأنه لا يقدر على ذلك وإنه عاجز عنه ، والعجز وعدم القدرة من صفات المخلوق لا من صفات الخالق فكان ذلك شركا .

وهذه الجملة تنازع فيها العاملان ، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة تحقيرا لشأنهم وحطا لدرجتهم عن رتبة الخطاب ، وفي قراءة سبعية بالتاء وما مصدرية فلا عائد لها عند الجمهور أو موصولة كما قاله السمين ، أي عما يشركونه به و ( ما ) عبارة عن الأصنام .