فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

{ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ( 2 ) }

{ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ } قرئ بالياء التحتية والفاعل هو الله سبحانه ، وقرئ تنزل من التفعل والأصل تتنزل ، فالفعل مستند إلى الملائكة ، وقرئ تنزل على البناء للمفعول وننزل بالنون ، والمراد بالملائكة هنا جبريل ، وعبر عنه بالجمع تعظيما له { بِالْرُّوحِ } هو الوحي قاله ابن عباس ، ومثله يلقي الروح من أمره ، وسمي الوحي روحا لأنه يحيي قلوب المؤمنين ، فإن من جملة الوحي القرآن ، هو نازل من الدين منزلة الروح من الجسد ، وبه قال الحسن .

فالتعبير بالروح عن الوحي على طريق الاستعارة التصريحية بجامع أن الروح به إحياء البدن والوحي به إحياء القلوب من الجهالات . وقيل المراد أرواح الخلائق وقيل الرحمة وقيل الهداية لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح قال الزجاج : الروح ما كان فيه من الله حياة بالإرشاد إلى أمره . وقال أبو عبيدة : الروح هنا جبريل ، ويكون الباء على هذا بمعنى مع .

وعن ابن عباس قال : الروح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله وصورهم على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح ، ثم تلا : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } . ومن في { مِنْ أَمْرِهِ } بيانية أي ناشئا ومبتدئا من أمره أو صفة للروح أو متعلق بينزل { عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } يعني من يصطفيه للنبوة والرسالة وتبليغ الوحي إلى الخلق وهم الأنبياء ؛ ووجه اتصال هذه الجملة بما قبلها أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبرهم عن الله أنه قد قرب أمره ونهاهم عن الاستعجال ترددوا في الطريق التي علم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، فأخبر أنه علم بها بالوحي على ألسن رسل الله سبحانه من ملائكته .

{ أَنْ أَنذِرُواْ } قال الزجاج : أي ينزلهم بأن أنذروا أو المعنى بأن الشأن أقول لكم أنذروا أي أعلموا الناس . وعبارة البيضاوي وأن مفسرة لأن الروح بمعنى الوحي الدال على القول أو مصدرية في موضع الجر بدلا من الروح ، أو النصب بنزع الخافض أو مخففة من الثقيلة .

{ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ } أي مروهم بتوحيدي وأعلموهم ذلك مع تخويفهم لأن في الإنذار تخويفا وتهديدا والضمير في أنه للشأن { فَاتَّقُونِ } رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود ، والخطاب للمستعجلين على طريق الالتفات وهو تحذير لهم من الشرك بالله والفاء فصيحة .

وفي الشهاب إذا كان الإنذار بمعنى التخويف فالظاهر دخول فاتقون في المنذر به لأنه هو المنذر به في الحقيقة ؛ وإذا كان بمعنى الإعلام فالمقصود بالإعلام هو الجملة الأولى ، وهذا متفرع عليها انتهى . وفيه تنبيه على الأحكام الفرعية بعد التنبيه على الأحكام العلمية بقوله أنه لا إله إلا الله ، فقد جمعت هذه الآية بين الأحكام الأصلية والفرعية .