فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ} (37)

( فتقبلها ربها بقبول حسن ) أي رضي بها في النذر وسلك بها مسلك السعداء ، وقال قوم معنى التقبل التكفل والتربية والقيام بشأنها ، وليست صيغة التفعل للتكلف كما هو أصلها بل بمعنى الفعل كتعجب بمعنى عجب وتبرأ بمعنى برئ ، والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق ، والباء زائدة أو هي على حالها .

( و أنبتها نباتا حسنا ) المعنى أنه سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان ، قيل إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام وفيه بعد ، و قيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها .

( و كفلها ) أي ضمها إليه بالقرعة لا بالوحي ، وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها ، وقال الكوفيون أي جعله الله كافلا لها وملتزما بمصالحها ، وفي معناه في مصحف أبي ( واكفلها ) وقرأ الباقون بالتخفيف ومعناه ما تقدم من كونه ضمها إليه ، وقرأ مجاهد فتقبلها وأنبتها بإسكان اللام والتاء وكفلها على المسألة والطلب .

( زكريا ) وكان من ذرية سليمان بن داود ، وروى عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وناس من الصحابة ان مريم كانت ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، وكان زكريا زوج أختها فكفلها أي جعلها معه في محرابه ، وكانت عنده وحضنها .

( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) يعني الغرفة ، والمحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس ، قاله القرطبي وسميت محرابا لأنها محل محاربة الشيطان لأن المتعبد فيها يحاربه ، وكذلك هو في المسجد وكذلك يقال لكل من محال العبادة محراب ، وقيل إن زكريا جعل لها محرابا لا ترتقي إليه إلا بسلم وكان يغلق عليها الباب حتى كبرت .

( وجد عندها ) أي أصاب وصادف ولقي فيتعدى لواحد ( رزقا ) أي نوعا من أنواع الرزق ، أي كان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، قال ابن عباس عنبا في مكتل في غير حينه .

( قال يا مريم أنى لك هذا ) أي من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا ( قالت هو من عند الله ) فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) جملة تعليلية لما قبلها وهو من تمام كلامها ، ومن قال إنه من كلام زكريا فتكون الجملة مستأنفة وهذا دليل على جواز الكرامة لأولياء الله تعالى .