فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأحزاب

هي ثلاث وسبعون آية

قال ابن عباس : نزلت بالمدينة وعن ابن الزبير مثله وعن زر قال : قال لي أبي بن كعب : كأين تقرأ سورة الأحزاب أو كأين تعدها ؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية فقال : قط ؟ لقد رأيتها وأنها لتعادل سورة البقرة : أو أكثر من سورة البقرة . ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم . فرفع فيما رفع . قال ابن كثير : وإسناده حسن .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قام فحمد الله وأثني عليه ثم قال : ( أما بعد يا أيها الناس : إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورجمنا بعده . فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ) . وقد روي عنه نحو هذا من طرق .

وعن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية . فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن .

قال النسفي : وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } أي : يا أيها المخبر عنا ، المأمون على أسرارنا ، المبلغ خطابنا ، وإنما لم يقل : يا محمد كما قال : يا آدم ، يا موسى ، تشريفا له ، وتنويها بفضله ، وتصريحه باسمه في قوله : يا محمد رسول الله ونحوه ، لتعليم الناس بأنه رسول الله ليلقبوه بذلك ، ويدعونه به .

{ اتَّقِ اللهَ } أي : دم على ذلك وازدد منه ، فهو باب واسع ، وعرض عريض ، لا يدرك مداه ، ولا ينال منتهاه .

{ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } من أهل مكة ، ومن هو على مثل كفرهم { وَالْمُنَافِقِينَ } الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر . قال الواحدي : إنه أراد سبحانه بالكافرين : أبا سفيان ، وعكرمة ، وأبا الأعور السلمي ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أرفض ذكر آلهتنا ، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها قال : والمنافقين عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح .

{ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : كثير العلم والحكمة بليغهما ، قال النحاس : ( ودل بقوله هذا على أنه كان يميل إليهم يعني النبي صلى الله عليه وسلم استدعاء لهم إلى الإسلام ، والمعنى أن الله عز وجل لو علم أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنهم ، لأنه حكيم ) ولا يخفى بعد هذه الدلالة التي زعمها ولكن هذه الجملة تعليل لجملة الأمر بالتقوى ، والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين ، والمعنى : أنه لا يأمرك أو ينهاك إلا بما علم فيه صلاحا أو فسادا لكثرة علمه ، وسعة حكمته .