وتسمى سورة الملائكة . وهي خمس أو ست وأربعون آية وهي مكية
قال القرطبي : في قول الجميع ، وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس : أنزلت سورة فاطر بمكة ، وهذه السورة ختام السورة المفتتحة بالحمد التي فصلت فيها النعم الأربع التي هي أمهات النعم المجموعة في الفاتحة . وهي الإيجاد الأول ، ثم الإبقاء الأول ، ثم الإيجاد الثاني المشار إليه بسورة سبأ . ثم الإبقاء الثاني الذي هو أنهاها وأحكمها . وهو الختام المشار إليه بهذه السورة المفتتحة بالابتداء . قاله الخطيب .
{ الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق ، وعلى غير مادة كذا قال المفسرون ، والظاهر أن هذا ليس من معنى الفطر لغة ، وإنما أخذوه من المعنى وسياق الكلام ، وأصل الفطر في اللغة الشق عن الشيء مطلقا ، يقال : فطرته فانفطر ومنه فطر ناب البعير إذا طلع فهو بعير فاطر ، وتفطر الشيء تشقق ، وقيل : الشق طولا فكأنه شق العدم بإخراجهما منه ، وبابه نصر كما في المختار ، والفطر أيضا الابتداء والاختراع ، وهو المراد هنا .
عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر حتى أتاني أعربيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول ابتدأتها وعنه الفاطر البديع ، والمعنى ، الحمد لله مبدع السموات والأرض ومخترعهما ، والمقصود من هذا إن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم فهو قادر على الإعادة وإنما حمد سبحانه وتعالى نفسه بذلك تعظيما له وتعليما لعباده كيفية الثناء عليه تعالى ، قرئ فاطر على صيغة اسم الفاعل ، وفطر على صيغة الفعل الماضي .
{ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا } إلى عبادة يجوز فيه الوجهان كما تقدم والرسل من الملائكة هم : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل{[1382]} فالمراد بالملائكة بعضهم إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم ، صرح الطيبي بأن جاعل هنا للاستمرار فباعتبار أنه يدل على المضي يصلح كونه صفة للمعرفة ، وباعتبار أنه يدل على الحال والاستقبال يصلح للعمل . وقرئ : رسلا بسكون السين ، وهي لغة تميم ، قال يحيى بن سلام : يرسلهم الله إلى الأنبياء يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة ، وقال السدي : إلى العباد بنعمة أو نقمة أو يوصلون إليهم آثار صنعته .
{ أُولِي } أي ذوي اسم جمع لذو { أَجْنِحَةٍ } جمع جناح نعت لرسلا وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا ، أو للملائكة وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهي صفة كاشفة ، والمسوغ للتخلف في التعريف جعل أل جنسية .
{ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } صفات لأجنحة والقصد بها التكثير واختلافهم في عدد الأجنحة لا الحصر ، وإلا فبعضهم له ستمائة وغير ذلك ، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها ، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ إلى صيغ أخر كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير ، وقيل للعدل والوصف والتعويل عليه ، وقد تقدم الكلام عليها في النساء . قال قتادة : بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثة ، ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة وبعضهم له أربعة ينزلون بها من السماء إلى الأرض ويعرجون بها من الأرض إلى السماء . أقول : الأصل جناحان لأنهما بمنزلة اليدين ، ثم الثالث والرابع زيادة على الأصل ، وذلك أقوى للطيران وأعون عليه{[1383]} .
{ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء } مستأنفة مقررة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة والمعنى أنه يزيد في خلق الملائكة والأجنحة ما يشاء ، وهو قول أكثر المفسرين ، واختاره الفراء والزجاج قال ابن مسعود : رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته له ستمائة جناح ، وقيل إن هذه الزيادة في الخلق غير خاصة بالملائكة ، فقال الزهري وابن جريج : إنها حسن الصوت ، وقال قتادة :
الملاحة في العينين ، والحسن في الأنف والحلاوة في الفم ، وقيل الوجه الحسن وقيل الخط الحسن ، وقيل الشعر الجعد ، وقيل العقل والتمييز ، وقيل العلوم والصنائع ، وقيل الصوت الحسن وجودة العقل ومتانته .
ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص ، بل يتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام في الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة في العقل ، وجزالة في الرأي ، وجراءة في القلب ، وسماحة في النفس ، ولباقة في التكلم وحسن تأن في مزاولة الأمور ، وذلاقة في اللسان ، ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف ، وبه قال الزمخشري { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تعليل لما قبله من أنه يزيد في الخلق ما يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.