فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عرفوه حق معرفته ، وقال المبرد أي ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره ، من قولك فلان عظيم القدر . وإنما وصفهم بهذا لأنهم عبدوا غير الله ، وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك ، وقرئ قدروا بالتشديد .

{ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك فأخبر سبحانه عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمتها وكثافتها في مقدوره ، كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون في يد فلان وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرف فيه ، وإن لم يقبض عليه .

والمراد بالأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك قوله { جميعا } وقوله الآتي { وَالسَّماوَاتُ } لأن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع ، ولأن الموضع موضع تعظيم ، فهو مقتض للمبالغة ، والمعنى الأرضون جميعا ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة ، وقدم الأرض على السماوات لمباشرتهم بها ومعرفتهم بحقيقتها .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : ( جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ، إنا نجد أن الله يحمل السماوات يوم القيامة على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ، ثم يهزهن فيقول أنا الملك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } . وإنما خص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا أيضا لأن الدعاوي تنقطع في ذلك اليوم ، كما قال .

{ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وقال { مالك يوم الدين } ولذلك قال في الحديث ( ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ ) .

{ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه ، والطي ضد النشر واليمين في كلام العرب قد يكون بمعنى القدرة والملك . قال الأخفش بيمينه يقول في قدرته نحو قوله { أو ما ملكت أيمانهم } أي ما كانت لكم قدرة عليه ، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد ، ومنه قوله سبحانه { لأخذنا منه باليمين } أي بالقوة والقدرة ، وليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب ، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب ، يقال قد انطوى عنا ، وهو بمعنى المضي والذهاب قال الخازن اليمين ليس عندنا بمعنى الجارحة ، وإنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها ، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب ؛ والأخبار المأثورة الصحيحة ؛ وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ، قال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه اه

ومعنى الآية ما عظموه حق تعظيمه ، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة ، والمقصود الإشارة إلى أن المتولي لإبقاء السماوات والأرض في هذا الدار هو المتولي لتخريبهما يوم القيامة ، وذلك يدل على قدرته التامة على الإيجاد والإعدام ، وأنه غني على الإطلاق فإنه إذا حاول تخريب الأرض يقبضها ويزيلها وتخريب السماوات يجمعها كالسجل المطوي .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ) {[1451]} ؟

وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون أين ملوك الأرض ) ، أخرجه الشيخان وفي الباب أحاديث وآثار تقتضي حمل الآية على ظاهرها من دون تكلف لتأويل ، ولا تعسف بقال وقيل ، ثم نزه سبحانه نفسه فقال :

{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } به من المعبودات التي يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة والحكمة الباهرة .


[1451]:صحيح الجامع /7981