فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (88)

{ فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( 88 ) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ( 89 ) }

{ فما لكم } الاستفهام للإنكار أي شيء كائن لكم { في المنافقين } أي في أمرهم وشأنهم ، قال القرطبي : والمراد بهم هنا عبد الله بن أبي وأصحابه الذين خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورجعوا بعسكرهم بعد أن خرجوا كما تقدم في آل العمران ، حال كونكم { فئتين } في ذلك وحاصله الإنكار على المخاطبين لأن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين .

وسبب نزول الآية به يتضح المعنى فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول لا فأنزل الله { فما لكم في المنافقين } الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها طيبة وأنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة{[513]} ، هذا أصح ما روى في سبب نزول الآية وقد رويت أسباب غير ذلك .

{ والله أركسهم } حكى الفراء والنضر بن شميل والكسائي أركسهم وركسهم أي ردهم إلى الكفر ونكسهم ، فالركس والنكس قلب الشيء على رأسه أو رده إلى آخره والمنكوس المركوس { بما كسبوا } الباء للسببية أي أركسهم بسبب كسبهم وهو لحوقهم بدار الكفر .

والاستفهام في قوله { أتريدون } للتقريع والتوبيخ { أن تهدوا من أضل الله } وهذا خطاب للفئة التي دافعت عن المنافقين ، وفيه دليل على أن من أضله الله لا ينجع فيه هداية البشر { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } { ومن يضلل الله } عن الهدى { فلن تجد له سبيلا } أي طريقا إلى الهدية .


[513]:زاد المسير2/153.