فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

{ وَكَذَلِكَ } أي كالوحي الذي أوحينا إلى الأنبياء قبلك { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } المراد به القرآن قاله ابن عباس ، وقيل النبوة ، قال مقاتل يعني الوحي بأمرنا ومعناه القرآن لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر ، وقيل : من تبعيضية لأن الموحى إليه لا ينحصر في القرآن ، وقيل : المراد به الرحمة ، وقيل جبريل ، ثم ذكر سبحانه صفة رسوله قبل أو يوحي إليه فقال :

{ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ } أي : أيّ شيء هو لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وذلك أدخل في الإعجاز ، وأدل على صحة نبوته ، ومعنى { وَلَا الْإِيمَانُ } أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يعرف تفاصيل الشرائع ومعالمها ، ولا يهتدي على معانيها ، كالصلاة والصوم والزكاة والختان وإيقاع الطلاق والغسل من الجنابة ، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر ، وهذا هو الحق وخص الإيمان لأنه رأسها وأساسها ، وقيل أراد بالإيمان هنا الصلاة ، قال بهذا جماعة من أهل العلم ، منهم إمام الأئمة محمد بن إسحق بن خزيمة واحتج بقوله تعالى :

{ وما كان اللّهُ لِيُضِيع إِيمانكُمْ } يعني الصلاة ، فسماها إيمانا ، وذهب جماعة إلى أن الله لم يبعث نبيا إلا وقد كان مؤمنا به ، وقالوا معنى الآية ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ؟ ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان ؟ وقيل كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفي المهد .

وقال الحسين بن الفضل إنه على حذف المضاف ، أي ولا أهل الإيمان ، وقيل المراد بالإيمان ، دين الإسلام ، وقيل الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد ، وقال الكواشي ويجوز أن يراد بالإيمان نفس الكتاب وهو القرآن وعطف عليه لاختلاف لفظيهما أي ما كنت تعرف القرآن وما فيه من الأحكام ، ويدل على هذا التأويل توحيد الضمير في جعلناه ، وقيل المراد بالإيمان الكلمة التي بها دعوة الإيمان والتوحيد ، وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، والإيمان بهذا التفسير إنما علمه بالوحي لا بالعقل ، قاله الكرخي .

وعن علي قال : ( قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم هل عبدت وثنا قط ؟ قال : لا قالوا فهل شربت خمرا قط ؟ قال : لا ، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر ، وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان ؟ وبذلك نزل القرآن ) . { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } {[1473]}

{ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا } أي جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياء ودليلا على التوحيد والإيمان { نَهْدِي بِهِ } المراد به الهداية الموصلة بدليل قوله { مَنْ نَشَاءُ } هدايته { مِنْ عِبَادِنَا } ونرشده إلى الدين الحق { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي } أي كل مكلف فالهداية فيه أعم من التي قبلها قرأ الجمهور لتهدي على البناء للفاعل وقرئ على البناء للمفعول ، وقرئ بضم التاء وكسر الدال من أهدى ، وفي قراءة أبيّ وإنك لتدعو { إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } قال قتادة والسدي ومقاتل : وإنك لتدعو إلى الإسلام فهو الصراط المستقيم .


[1473]:زاد الميسر 299.