{ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم : تفسحوا } وقرئ تفاسحوا { في المجالس } قرئ على الجمع لأن لكل واحد منهم مجلسا ، وقرئ على الإفراد ، قال الواحدي : والوجه التوحيد في المجلس ، لأنه يعني به مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، والتفسح التوسع ، يقال : فسح له يفسح فسحا أي وسع له ومنه قولهم : بلد فسيح .
أمر الله سبحانه المؤمنين بحسن الأدب بعضهم مع بعض بالتوسعة في المجالس ، وعدم التضايق فيه قال قتادة ومجاهد والضحاك : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض ، وقال ابن عباس والحسن ويزيد بن أبي حبيب : هو مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب ، كانوا يتشاحنون على الصف الأول ، ولا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال ، لتحصيل الشهادة .
وقال القرطبي : الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس ، اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر ، سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو يوم الجمعة ، وأن كل واحد أحق بمكانه الذي يسبق إليه ، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه .
ويؤيد هذا حديث ابن عمر عند مسلم والبخاري وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " .
{ فافسحوا يفسح الله لكم } أي فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة أو في كل ما تريدون التفسيح فيه من المكان والرزق وغيرهما .
" عن مقاتل بن حيان قال أنزلت هذه الآية يوم جمعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، يومئذ في الصفة ، وفي المكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس ، فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم . فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك عليه ، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر قم أنت يا فلان وأنت فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، فنزلت هذه الآية .
{ وإذا قيل انشزوا فانشزوا } قرأ الجمهور بكسر الشين فيهما ، وقرئ بضمها فيهما ، وهما لغتان بمعنى واحد ، وقراءتان سبعيتان ، يقال : نشز أي ارتفع ينشز وينشز كعكف يعكف ويعكف قال جمهور المفسرين : أي انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير ، وبه قال ابن عباس ، وقال عكرمة ومجاهد والضحاك : كان رجال يتثاقلون عن الصلاة فقيل لهم إذا نودي للصلاة فانهضوا وقال الحسن : انهضوا على الحرب ، وقال ابن زيد : هذا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله تعالى أنه إذا قيل : انشزوا عن النبي فانشزوا ، فإن له حوائج فلا تمكثوا ، قال قتادة : المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف ، والظاهر حمل الآية على العموم ، والمعنى إذا قيل لكم انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية فانهضوا ولا تثاقلوا ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصا ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق ، ويندرج ما هو سبب النزول فيها إندراجا أوليا وهكذا يندرج ما فيه السياق وهو التفسيح في المجالس اندراجا أوليا .
وقد قدمنا أن معنى نشز ارتفع ، وهكذا نشز ينشز إذا تنحى عن موضعه ، ومنه امرأة ناشزة أي : متنحية عن زوجها ، وأصله مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى ، ذكر معناه النحاس .
{ يرفع الله الذين آمنوا منكم } بطاعتهم لله ولرسوله وامتثال أوامره في قيامهم من مجالسهم وتوسعتهم لإخوانهم في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما ، { والذين أوتوا العلم } أي ويرفع العالمين منهم خاصة { درجات } عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة ، ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمنوا درجات ، ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات ، فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات ، وقيل : المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك بالذين أوتوا العلم ، وقيل : المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرأوا القرآن ، والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن ، وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة ، ولا دليل يدل على تخصيص الآية بالبعض دون البعض .
وقال ابن عباس في الآية : يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤمنوا ، درجات وقال ابن مسعود : على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات وعنه قال : ما خص الله العلماء في شيء من القرآن كما خصهم في هذه الآية ، وعنه أنه كان إذا قرأها قال يا أيها الناس افهموا هذه الآية لترغبكم في العلم ، والأحاديث والأخبار والآيات في فضيلة العلم والعلماء كثيرة جدا قد ذكرنا طرفا منها في كتابنا الحطة في ذكر الصحاح الستة .
{ والله بما تعملون خبير } لا يخفى عليه شيء من أعمالكم من خير وشر فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.