{ قل لمن ما في السموات والأرض } هذا احتجاج عليهم قاطع ، وتبكيت لهم ساطع ، لا يقدرون على التخلص منه أصلا { ولمن } خبر مقدم والمبتدأ ما هي بمعنى الذي ، وجملة { قل لله } تقرير لهم وتنبيه على أنه المتعين للجواب بالإتفاق بحيث لا يتأتى لأحد أن يجيب بغيره كما نطق به قوله { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } . وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقوبة ولكنه { كتب على نفسه الرحمة } أي : وعد بها فضلا منه وتكرما لا أنه مستحق عليه وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده وارتفاع الوسائط دونه . وفي الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعالجهم بالعقوبة وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة ، ومن رحمته لهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأدلة .
وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق وتسعة وتسعون ليوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ) {[679]} .
وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما قضى الله الخلق وكتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي ) {[680]} وقد روي من طرق أخرى بنحو هذا .
قيل معنى الجملة القسم ، وعلى هذا فقوله { ليجمعنكم } جوابه لما تضمنه معنى القسم وقال الزجاج : إنها بدل من الرحمة لأنه فسره بأنه أمهلكم وأمد لكم في العمر والرزق مع كفركم ، فهو تفسير للرحمة وقد ذكره الفراء أيضا ورده ابن عطية وقال : هو جواب قسم محذوف أي والله ليجمعنكم .
وقيل المعنى ليجمعنكم في القبور مبعوثين أو محشورين وقيل اللام بمعنى أن أي أن يجمعنكم كما في قوله تعالى : { ليسجننه } أي أن يسجنوه وقيل زائدة وقيل : إن جملة ليجمعنكم مسوقة للترهيب بعد الترغيب وللوعيد بعد الوعد ، أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم يجمعكم ثم يعاقب من يستحق عقوبته من العصاة .
{ إلى يوم القيامة } إلى بمعنى ( في ) وقيل المعنى في قبوركم إلى اليوم الذي أنكرتموه وهو يوم القيامة { لا ريب فيه } أي لا شك في اليوم أو في الجمع .
{ الذين خسروا أنفسهم } أي ليجمعن المشركين الذين غبنوا أنفسهم باتخاذهم الأصنام فعرضوا أنفسهم لسخط الله وأليم عقابه فكانوا كمن خسر شيئا ، وأصل الخسار الغبن يقال خسر الرجل إذا غبن في بيعه { فهم لا يؤمنون } لما سبق عليهم القضاء بالخسران فهو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان بحيث لا سبيل لهم إليه أصلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.