فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (167)

{ وإذ تأذن ربك } أي واسألهم وقت تأذن ربك ، تأذن تفعل من الإيذان وهو الإعلام ، قال أبو علي الفارسي : آذن بالمد أعلم وأذن بالتشديد نادى ، وقال قوم كلاهما بمعنى أعلم كما يقال أيقن وتيقن ، وقيل معناه قال ربك وقيل حكم ربك ، وقيل آلى ربك ، وقال الزمخشري : عزم بكن وقيل معناه حتم وأوجب والمعنى واسألهم وقت أن وقع الإعلام له من ربك .

وقيل في هذا الفعل معنى القسم كعلم الله وشهد الله ، ولذلك أجيب كما يجاب به القسم حيث قال : { ليبعثن } أي ليرسلن { عليهم } ويسلطن كقوله : بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس شديد { إلى يوم القيامة } غاية لقوله : { من يسومهم } يذيقهم { سوء العذاب } مما يبعثه الله عليهم ، وقد كانوا أقمأهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدي أهل الملل .

وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية في كل قطر من أقطار الأرض في الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار يسلمون الجزية لحقن دمائهم ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التي يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار .

وعن ابن عباس قال : يسومهم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته سوء العذاب أي الجزية والخراج ، وقيل هو بختنصر وسناحريب وملوك الروم ، وهذا نص في أن العذاب ، إنما يحصل لهم مستمرا إلى يوم القيامة ، ولهذا فسر هذا العذاب بالإهانة والذلة وأخذ الجزية منهم فإذا أفضوا إلى الآخرة كان عذابهم أشد وأعظم{[789]} .

ثم علل ذلك بقوله : { إن ربك لسريع العقاب } لمن أقام على الكفر يعاجل به في الدنيا كما وقع لهؤلاء { وإنه لغفور رحيم } أي كثير الغفران والرحمة لمن آمن منهم ودخل في دين الإسلام .


[789]:- عن سعيد بن جابر، قال: ولم يجب الخراج بني قط إلا موسى، جباه ثلاث عشرة سنة، ثم أمسك النبي صلى الله عليه وسلم وقال السدي: بعث الله عليهم العرب يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.