فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (16)

{ بل تؤثرون الحياة الدنيا } هذا إضراب عن كلام مقدر يدل عليه السياق وينساق إليه الكلام أي أنتم لا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات الفانية العاجلة الكائنة في الدنيا على الدار الآخرة الآجلة الباقية فلا تفعلون ما به تفلحون .

قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب للكفار فقط أو لمطلق الناس ، ويؤيدها قراءة أبيّ بل أنتم تؤثرون وقرئ بالتحتية على الغيبة وعلى هذا يكون الضمير راجعا للأشقى ، قيل والمراد بالآية الكفرة والمراد بالإيثار للحياة الدنيا هو الرضا بها والاطمئنان إليها والإعراض عن الآخرة بالكلية .

وقيل المراد بها جميع الناس من مؤمن وكافر ، والمراد بإيثارها هو أعم من ذلك مما لا يخلو عنه غالب الناس من إيثار جانب الدنيا على الآخرة ، والتوجه إلى تحصيل منافعها والاهتمام بها اهتماما زائدا على اهتمامه بالطاعات .

وعن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود { سبح اسم ربك الأعلى } فلما بلغ { بل تؤثرون الحياة الدنيا } ترك القراءة وأقبل على أصحابه فقال آثرنا الدنيا على الآخرة فسكت القوم فقال آثرنا الدنيا لأن رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها ، وزويت عنا الآخرة ، فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل ، وقال { بل يؤثرون الحياة الدنيا } بالياء .

قال عرفجة عند ابن مسعود فقرأ هذه الآية فقال لنا أتدرون لم آثارنا الحياة الدنيا على الآخرة قلنا لا ، قال لأن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساءها ولذاتها وبهجتها ، وأن الآخرة تغيبت وزويت عنا فأصبنا العاجل وتركنا الآجل .