فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ} (5)

{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } قيل هي لام الابتداء دخلت على الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولأنت سوف يعطيك ، وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة ، وقيل هي للقسم ، قال أبو علي الفارسي ليست هذه اللام هي التي في قولك إن زيدا لقائم بل هي التي في قولك لأقومن ، ونابت سوف عن إحدى نوني التأكيد فكأنه قال ولنعطيك أي أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة .

قيل والمعنى ولسوف يعطيك ربك الفتح في الدنيا والثواب في الآخرة فترضى ، وقال البيضاوي هذا وعد شامل لما أعطاه له من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين ، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواه ، وقيل الحوض والشفاعة في الأمة ، وقيل ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك ، وبه قال ابن عباس وزاد في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم وعنه قال رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .

وأخرج ابن جرير عنه قال من رضا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .

وأخرج الخطيب في التلخيص من وجه آخر عنه قال لا يرضي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وواحد من أمته في النار{[1720]} .

ويدل على هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا قول الله في إبراهيم { فمن تبعني فإنه مني } وقول عيسى { إن تعذبهم فإنهم عبادك } الآية فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله يا جبريل إذهب إلى محمد صلى الله عله وآله وسلم فقل به إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك " .

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين " أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال أي والله حدثني محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد فأقول نعم يا رب رضيت " ثم أقبل علي فقال إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطون من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } قلت إنا لنقول ذلك ، قال فكنا أهل البيت نقول إن أرجى آية في كتاب الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وهي الشفاعة " .

وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولسوف يعطيك ربك فترضى " أخرجه ابن أبي شيبة .

وعن جابر بن عبد الله قال " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلد الإبل ، فلما نظر إليها قال يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة فأنزل الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } " أخرجه العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار .

قيل في الآية غير ذلك ، والظاهر أنه سبحانه يعطيه ما يرضى به من خيري الدنيا والآخرة ، ومن أهم ذلك عنده وأقدمه قبول شفاعته لأمته .


[1720]:أي من أمته الذين ساروا على نهجه عقيدة وعبادة لا أولئك الذين اكتفوا من الدين بالأسماء.