تسمى سورة البينة ، وسورة المنفكين ، وسورة القيامة ، وسورة البرية ، هي ثماني آيات ، أو تسع آيات ، وهي مدنية في قول الجمهور ، وقيل : مكية . أخرج ابن مردويه عن ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : نزلت سورة ( لم يكن ) بمكة .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ عليه .
وعن أبي حية البدري قال : " لما نزلت ( لم يكن ) إلى آخرها قال جبريل : يا رسول الله إن الله يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبيّ : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة . فقال أبيّ : وقد ذكرت ثمّ يا رسول الله . قال : نعم ، فبكى " {[1]} أخرجه أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه .
قيل : إن أبيا كان أسرع أخذا لألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأراد بقراءته صلى الله عليه وآله وسلم عليه أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقرأ ويعلم غيره .
وعن إسماعيل بن أبي حكيم المزني - أحد بني فضل - سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " إن الله يستمع قراءة { لم يكن الذين كفروا } فيقول : أبشر عبدي ، وعزتي وجلالي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى " {[2]} أخرجه أبو نعيم في المعرفة ، قال ابن كثير : حديث غريب جدا ، وأخرجه أبو موسى المديني عن مطر المزني أو المدني بنحوه .
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } المراد بهم اليهود والنصارى ، ومن للبيان { والمشركين } المراد بهم مشركو العرب ، وهم عبدة الأوثان ، وقرأ ابن مسعود { لم يكن المشركون وأهل الكتاب } قال ابن العربي : وهي قراءة في معرض البيان ، لا في معرض التلاوة .
وقرأ أبيّ : ( فما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون ) ، وقرأ الأعمش والنخعي ( والمشركون ) بالرفع عطفا على الموصول .
وسمي أهل الكتاب كفارا من إيمانهم بكتابهم ونبيهم ؛ لأنهم عدلوا عن الطريق المستقيم في التوحيد فكفروا بذلك ، فإنه قيل : إن اليهود مجسمة ، وكذلك النصارى لقولهم بالتثليث ، وهذا يقتضي كفر جميع أهل الكتاب قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والظاهر خلافه ، ولذا قال الماتريدي : إن ( من ) تبعيضية ؛ لأن منهم من آمن .
{ منفكين } يقال : فككت الشيء فانفك أي انفصل ، والمعنى : إنهم لم يكونوا مفارقين لكفرهم ولا منتهين ما هم عليه { حتى تأتيهم } أي أتتهم { البينة } أي الحجة الواضحة ، وقيل : الانفكاك بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية التي لم يكونوا يبلغونه نهاية أعمارهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة .
وقيل : منفكين زائلين ، أي : لم تكن مدتهم لتزول حتى تأتيهم البينة ، يقال : ما انفك فلان قائما ، أي ما زال فلان قائما ، وأصل الفك الفتح ، ومنه فك الخلخال ، وقال الأزهري : ليس هو من باب ما انفك وما برح ، وإنما هو من باب انفكاك الشيء عن الشيء وهو انفصاله عنه .
وقيل : منفكين بارحين ، أي لم يكونوا ليبرحوا ويفارقوا الدنيا حتى تأتيهم البينة ، وقال ابن كيسان : المعنى لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى بعث ، فلما بعث حسدوه وجحوده ، وهو كقوله : { فلما جاءهم مل عرفوا كفروا به } وعلى هذا فيكون معنى قوله { والمشركين } أنهم ما كانوا يسيئون القول في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى بعث فإنهم كانوا يسمونه الأمين ، فلما بعث عادوه وأساؤوا القول فيه .
وقيل : منفكين هالكين ، من قولهم : انفك صلبه ، أي انفصل فلم يلتئم فيهلك ، والمعنى لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم ، وقيل : إن المشركين هم أهل الكتاب ، فيكون وصفا لهم لأنهم قالوا : المسيح ابن الله ، وعزير ابن الله .
قال أبو السعود : منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان ، والعزم على إنجازه ، وهذا الوعد من أهل الكتاب مما لا ريب فيه ، وأما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعد ما شاع ذلك من أهل الكتاب ، واعتقدوا صحته بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم .
وانفكاك الشيء عن الشيء أن يزيله بعد التحامه ، كالعظم إذا انفك من مفصله ، وفيه إشارة إلى كمال وكادة وعدهم ، انتهى ملخصا .
قال الواحدي : ومعنى الآية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن ، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان ، وهذا بيان عن النعمة والإنقاذ به من الجهل والضلالة ، والآية فيمن آمن من الفريقين .
قال : وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا ، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء ، وسلكوا في تفسيرها طرقا لا تفضي بهم إلى الصواب ، والوجه ما أخبرتك فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال .
قال : ويدل على كون البينة محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه فسرها ، وأبدل بقوله الآتي { رسول من الله يتلو صحفا مطهرة } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.