فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (4)

{ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } مستأنفة لتوبيخ أهل الكتاب وتقريعهم ، وبيان أن ما نسب إليهم من عدم الانفكاك لم يكن لاشتباه الأمر ؛ بل كان بعد وضوح الحق ، وظهور الصواب ، وأيضا تصريح بما أفادته الغاية قبله ، وإفراد أهل الكتاب بالذكر بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم ، وأنهم لما تفرقوا مع علمهم كان غيرهم بذلك أولى ، فاقتصر عليهم لأنهم أشد جرما ، أو أنه يعلم حال غيرهم بالطريق الأولى ، فهو من باب الاكتفاء .

فالمعنى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ولا المشركون إلا من بعد الخ ، قال المفسرون :لم يزل أهل الكتاب مجتمعين حتى بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما بعث تفرقوا في أمره ، واختلفوا ، فآمن به بعضهم ، وكفر آخرون .

والاستثناء مفرغ من أعم الأوقات ، أي وما تفرقوا في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة ، وهي بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشريعة الغراء والمحجة البيضاء ، أو هو صلى الله عليه وسلم ، وقيل : البينة القرآن ، وقيل : البينة هو البيان الواضح الذي في كتبهم أنه نبي مرسل ، كقوله { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم } .

قال القرطبي : قال العلماء : من أول السورة إلى قوله { كتب قيمة } حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين ، وقوله { وما تفرق الذين } الخ فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب والمشركين بعد قيام الحجج .