الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ} (37)

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فتقبلها ربها بقبول حسن } قال : تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه { وأنبتها نباتا حسنا } قال : نبتت في غذاء الله .

وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال : ضمها إليه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقا عنبا في مكتل في غير حينه { قال : أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } قال : إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا { هنالك دعا زكريا ربه } فلما بشر بيحيى قال { رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس } قال : يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي .

وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { وكفلها زكريا } قال : سهمهم بقلمه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، وكان زكريا زوج خالتها ، فكلفها وكانت عنده وحضنتها .

وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة ، إن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه ، وكان زكريا أفضلهم يومئذ ، وكان معهم ، وكانت أخت أم مريم تحته ، فلما أتوا بها قال لهم زكريا : أنا أحقكم بها ، تحتي أختها . قال : فخرجوا إلى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها ، فجرت الأقلام ، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وكفلها زكريا } قال : جعلها معه في محرابه .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها { وكفلها } مشددة { زكرياء } ممدودة مهموز منصوب .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { وجد عندها رزقا } قال : مكتلا فيه عنب في غير حينه .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد { وجد عندها رزقا } قال : عنبا في غير زمانه .

وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد { وجد عندها رزقا } قال : فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف .

وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد { وجد عندها رزقا } قال : علما .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وجد عندها رزقا } قال : وجد عندها ثمار الجنة . فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وجد عندها رزقا } قال : الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك { أنى } يعني من أين .

وأخرج عن الضحاك { أنى لك هذا } يقول من أتاك بهذا .

وأخرج أبو يعلى عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع ؟ فقالت : لا والله . فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم ، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي ، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له : - بأبي أنت وأمي - قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال : هلمي يا بنية بالجفنة . فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله . فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه حمد الله وقال : من أين لك هذا يا بنية ؟ قالت : يا أبت { هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } " .