فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المسد

هي خمس آيات وهي مكية بلا خلاف . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة قالوا : نزلت { تبت يدا أبي لهب } بمكة .

معنى : { تَبَّت } هلكت . وقال مقاتل : خسرت . وقيل : خابت . وقال عطاء : ضلت . وقيل : صفرت من كل خير ، وخصّ اليدين بالتباب ، لأن أكثر العمل يكون بهما . وقيل : المراد باليدين نفسه ، وقد يعبر باليد عن النفس ، كما في قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] أي نفسك . والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله ، كقولهم : أصابته يد الدهر ، وأصابته يد المنايا ، كما في قول الشاعر :

لما أكبت يد الرزايا *** عليه نادى ألا مخبر

وأبو لهب : اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم ، وقوله : { وَتَبَّ } أي هلك . قال الفراء : الأوّل دعاء عليه ، والثاني خبر ، كما تقول : أهلكه الله ، وقد هلك . والمعنى : أنه قد وقع ما دعا به عليه ، ويؤيده قراءة ابن مسعود : «وقد تبّ » . وقيل : كلاهما إخبار ، أراد بالأوّل هلاك عمله ، وبالثاني هلاك نفسه . وقيل : كلاهما دعاء عليه ، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص ، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة ، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها ، ولكون اسمه كما تقدّم عبد العزى ، والعزّى اسم صنم ، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار ، لأن اللهب هي لهب النار ، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً ، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه ، كما تتلهب النار . قرأ الجمهور : { لَهَبٍ } بفتح اللام والهاء . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء ، واتفقوا على فتح الهاء في قوله : { ذَاتَ لَهَبٍ } . وروى صاحب الكشاف أنه قرئ : «تبت يدا أبو لهب » وذكر وجه ذلك .

/خ5