فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

{ وَجَاءوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } { على قميصه } في محل نصب على الظرفية ، أي جاءوا فوق قميصه بدم ، ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى . وقيل المعنى : بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه . وقرأ الحسن وعائشة ( بدم كدب ) بالدال المهملة أي : بدم طريّ . يقال للدم الطريّ : كدب . وقال الشعبي : إنه المتغير ، والكذب أيضاً البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث ، فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اللونين . وقد استدّل يعقوب على كذبهم بصحة القميص ، وقال لهم : متى كان هذا الذئب حكيماً يأكل يوسف ولا يخرق القميص ؟ ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به يعقوب عليهم فقال : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا } أي : زينت وسهلت . قال النيسابوري : التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه ، وهو تفعيل من السول وهو الأمنية . قال الأزهري : وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } قال الزجاج : أي : فشأني أو الذي أعتقده صبر جميل .

وقال قطرب : أي : فصبري صبر جميل . وقيل : فصبر جميل أولى بي ، قيل : والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه . قال الزجاج : قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف ( فصبراً جميلاً ) قال : وكذا في مصحف أنس . قال المبرد : { فصبر جميل } بالرفع أولى من النصب . لأن المعنى : قال ربّ عندي صبر جميل ، وإنما النصب على المصدر أي : فلأصبرنّ صبراً جميلاً . قال الشاعر :

شكا إليّ جملي طول السرى *** صبراً جميلاً فكلانا مبتلى

{ والله المستعان } أي : المطلوب منه العون { على مَا تَصِفُونَ } أي : على إظهار حال ما تصفون ، أو على احتمال ما تصفون ، وهذا منه عليه السلام إنشاء لا إخبار .

/خ18