تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} (26)

وقوله تعالى : ( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) يرغبهم في ما عنده ، ويؤيسهم عما في إيدي الخلق ، ويقطع رجاءهم عن ذلك ، لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان ، ويحملهم على تكذيب الرسل وترك الإجابة ، هذه الأموال التي كانت في أيدي أولئك ، وبها رأوا دوام الرئاسة والعز والشرف لهم في هذه الدنيا ، فقال : هو الباسط لذلك ، القادر [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] أولئك ، هو يوسع على من يشاء ، ويقتر على من يشاء ، ليس ذلك إلى الخلق .

وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه ، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه ، ليعلموا أن التوسع في الدنيا أو البسط لا يدل على الولاية ، ولا التقتير والتضييق [ يدل ][ ساقطة من الأصل وم ] على العداوة ، ليس كما يكون في الشاهد يوسع على الأولياء ، ويبسط ويضيق على الأعداء ، لأن التوسع في الدنيا والتضييق بحق المحبة في الآخرة بحق الجزاء ، ويسوي في المحنة الولي والعدو ، ويجمع بينهما في المحنة ، ويفرق بينهما في الجزاء .

وقوله تعالى : ( وفرحوا بالحياة الدنيا ) يحتمل قوله : ( وفرحوا بالحياة الدنيا ) صلة ما تقدم ، وهو قوله : ( والذين ينقضون عهد الله ) إلى قوله : ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل )[ الرعد : 25 ] ويفرحون بالحياة الدنيا .

ثم الفرح يحتمل وجوها : يحتمل ( وفرحوا بالحياة الدنيا ) أي رضوا بها كقوله : ( ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها )[ يونس : 7 ] أو ( وفرحوا بالحياة الدنيا ) سرورا بها .

فإن قيل : إن المؤمن قد يسر بالحياة الدنيا ، قيل : يسر ، ولكن لا يلهيه[ من الأصل وم : يلهي ] سروره بها ، ولا يغفل عن الآخرة .

وأما الكافر فإنه[ في الأصل وم : فإنها ] لشدة سروره بها وفرحه عليها يلهو عن الآخرة وعن جميع الطاعات . وهكذا يعرف الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء فإنه يلهو عن غيره ، ويغفل عنه .

أو يكون قوله : ( وفرحوا ) أي أشروا ، وبطروا كقوله تعالى : ( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )[ القصص : 76 ] والفرح هو[ في الأصل وم : وهو ] الأشر أو البطر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ) تأويله ، والله أعلم ، أي ما الحياة الدنيا مع طول تمتعهم بها [ بمقابلة تمتع ][ في الأصل : يتمنع ، في م : تمنع ] الآخرة إلا كمتاع ساعة أو كمتاع بشيء يسير ، وهو كقوله : ( لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها )[ النازعات : 46 ] وكقوله : ( لم يلبثوا إلا ساعة من النهار )[ يونس : 45 ] يظنون مع طول ما متعوا في هذه الدنيا عند متاع الآخرة كأنهم ما متعوا بها إلا ساعة .

فعلى ذلك قوله : ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) وهو ما ذكرنا في موضع آخر : ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )[ التوبة : 38 ] عند متاع الآخرة [ لأن متاع الآخرة ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ونعيمها دائم متصل غير منقطع ، لا يشوبه آفة ولا حزن ولا خوف ، ومتاع الدنيا منقطع غير متصل مشوب بالآفات والأحزان ، لذلك [ كان ][ من م ، ساقطة من الأصل ] قليلا عند متاع الآخرة ونعيمها .

وقال بعض أهل التأويل : ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) أي إلا لهو وباطل ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا .