فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكهف

وهي مائة وإحدى عشرة آية

قال القرطبي : وهي مكية في قول جميع المفسرين . وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله : " جرزاً " والأول أصح انتهى . ومن القائلين إنها مكية جميعها ابن عباس ، أخرجه عنه النحاس وابن مردويه ومنهم ابن الزبير ، أخرجه عنه ابن مردويه . وقد ورد في فضلها أحاديث : منها ما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) . وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء قال ( قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة ، فجعلت تنفر ، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اقرأ فلان ، فإن السكينة نزلت القرآن ) ، وهذا الذي كان يقرأ هو أسيد بن حضير كما بينه الطبراني . وأخرج الترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) وفي قراءة العشر الآيات من أولها أو من آخرها أحاديث . وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون ، فإن خرج الدجال عصم منه ) . وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً من مقامه إلى مكة ، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ) . وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) . وأخرجه البيهقي أيضاً في السنن من هذا الوجه ومن وجه آخر . وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين ) . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أي الليل شاء ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : سورة أصحاب الكهف ) . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيت الذي تقرأ فيه سورة الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة ) وفي الباب أحاديث وآثار ، وفيما أوردناه كفاية مغنية .

علّم عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم ، ووصفه بالموصول يشعر بعلية ما في حيز الصلة لما قبله ووجه كون إنزال الكتاب ، وهو القرآن نعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد ، وأحوال الملائكة والأنبياء ، وعلى كيفية الأحكام الشرعية التي تعبده الله وتعبد أمته بها ، وكذلك العباد كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم لمثل ما ذكرناه في النبي .

{ وَلَمْ يَجْعَل لهُ عِوَجَا } أي : شيئاً من العوج بنوع من أنواع الاختلال في اللفظ والمعنى ، والعوج بالكسر في المعاني ، وبالفتح في الأعيان كذا قيل ، ويرد عليه قوله سبحانه : { لا ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } [ طه : 107 ] ، يعني : الجبال ، وهي من الأعيان . قال الزجاج : المعنى في الآية : لم يجعل فيها اختلافاً كما قال : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } [ النساء : 82 ] .

/خ8