فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ} (200)

والمراد بالمناسك : أعمال الحج ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «خذوا عني مناسككم » أي : فإذا فرغتم من أعمال الحجّ ، فاذكروا الله . وقيل : المراد : بالمناسك : الذبائح ، وإنما قال سبحانه : { كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ } لأن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم يقفون عند الجمرة ، فيذكرون مفاخر آبائهم ، ومناقب أسلافهم ، فأمرهم الله بذكره مكان ذلك الذكر ، ويجعلونه ذكراً مثل ذكرهم لآبائهم ، أو أشدّ من ذكرهم لآبائهم . قال الزجاج : إن قوله : { أَوْ أَشَدَّ } في موضع خفض عطفاً على ذكركم ، والمعنى ، أو كأشدّ ذكراً ، ويجوز أن يكون في موضع نصب : أي اذكروه أشدّ ذكراً . وقال في الكشاف : إنه عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله : { كَذِكْرِكُمْ } كما تقول كذكر قريش آباءهم ، أو قوم أشدّ منهم ذكراً .

قوله : { فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ } الآية ، لما أرشد سبحانه عباده إلى ذكره ، وكان الدعاء نوعاً من أنواع الذكر جعل من يدعوه منقسماً إلى قسمين : أحدهما : يطلب حظ الدنيا ، ولا يلتفت إلى حظ الآخرة ، والقسم الآخر يطلب الأمرين جميعاً ، ومفعول الفعل ، أعني قوله : { آتنا } محذوف ، أي : ما نريد ، أو ما نطلب ، والواو في قوله : { وما له } واو الحال ، والجملة بعدها حالية . والخَلاق : النصيب ، أي : وما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب ؛ لأن همه مقصور على الدنيا لا يريد غيرها ، ولا يطلب سواها . وفي هذا الخبر معنى النهي عن الاقتصار على طلب الدنيا ، والذمّ لمن جعلها غاية رغبته ، ومعظم مقصوده .

/خ103