قوله : { المحيض } هو : الحيض ، وهو مصدر ، يقال : حاضت المرأة حيضاً ، ومحيضاً ، فهي حائض ، وحائضة ، كذا قال الفراء وأنشد :
كحائضة تُزْنَي بها غير طاهرة *** . . .
ونساء حُيَّض ، وحوائض ، والحِيضة بالكسر : المرة الواحدة وقيل : الاسم ، وقيل : المحيض عبارة عن الزمان ، والمكان ، وهو مجاز فيهما ، وقال ابن جرير الطبري : المحيض اسم الحيض ، ومثله قول رؤبة :
إليك أشكو شدة المعيش *** . . .
أي العيش ، وأصل هذه الكلمة من السيلان ، والانفجار يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة : أي : سالت رطوبتها ، ومنه الحيض أي : الحوض ؛ لأن الماء يحوض إليه ، أي : يسيل . وقوله : { قُلْ هُوَ أَذًى } أي : قل هو شيء يتأذى به أي : برائحته . والأذى كناية عن القذر ، ويطلق على القول المكروه ، ومنه قوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] ، ومنه قوله تعالى : { وَدَعْ أَذَاهُمْ } [ الأحزاب : 48 ] وقوله : { فاعتزلوا النساء فِي المحيض } أي : فاجتنبوهنّ في زمان المحيض إن حمل المحيض على المصدر ، أو في محل الحيض إن حمل على الاسم . والمراد من هذا الاعتزال : ترك المجامعة لا ترك المجالسة ، أو الملامسة ، فإن ذلك جائز ، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج ، أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك ، وأما ما يروى عن ابن عباس ، وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت ، فليس ذلك بشيء ، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين .
قوله : { ولاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء ، وضم الهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية أبي بكر : «يطَّهّرن » بتشديد الطاء ، وفتحها ، وفتح الهاء ، وتشديدها . وفي مصحف أبيّ ، وابن مسعود : «ويتطهرن » والطهر انقطاع الحيض ، والتطهر : الاغتسال . وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم ، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها ، حتى تتطهر بالماء . وقال محمد بن كعب القرظي ، ويحيى بن بكير : إذا طهرت الحائض ، وتيمّمت حيث لا ماء حلت لزوجها ، وإن لم تغتسل . وقال مجاهد وعكرمة : إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ، ولكن تتوضأ . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل ، أو يدخل عليها ، وقت الصلاة . وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد ، والأولى أن يقال : إن الله سبحانه جعل للحلّ غايتين كما تقتضيه القراءتان : إحداهما : انقطاع الدم ، والأخرى : التطهر منه ، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى ، فيجب المصير إليها . وقد دلّ أن الغاية الأخرى هي المعتبرة . قوله تعالى بعد ذلك : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر ، لا مجرد انقطاع الدم .
وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين ، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة ، كذلك يجب الجمع بين القراءتين .
قوله : { فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } أي : فجامعوهنّ ، وكنى عنه بالإتيان ، والمراد : أنهم يجامعونهنّ في المأتي الذي أباحه الله ، وهو : القُبُل قيل : و { منْ حَيْثُ } بمعنى : في حيث ، كما في قوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } [ الجمعة : 9 ] أي : في يوم الجمعة ، وقوله : { مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض } [ فاطر : 4 ] أي : في الأرض ، وقيل : إن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه : أي : من غير صوم ، وإحرام ، واعتكاف ، وقيل إن المعنى من قبل الطهر ، لا من قبل الحيض ، وقيل : من قبل الحلال ، لا من قبل الزنا . قوله : { إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين } قيل : المراد : التوابون من الذنوب ، والمتطهرون من الجنابة ، والأحداث . وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهنّ . وقيل : من إتيانهن في الحيض ، والأول أظهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.