فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

وقوله : { فِى الدنيا والآخرة } متعلق بقوله : { تَتَفَكَّرُونَ } أي : تتفكرون في أمرهما ، فتحبسون من أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم ، وتنفقون الباقي في الوجوه المقرّبة إلى الآخرة . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير : أي : كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا ، والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا ، وزوالها ، وفي الآخرة ، وبقائها ، فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة . وقيل : يجوز أن يكون إشارة إلى : { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نفْعِهِمَا } أي : لتتفكروا في أمر الدنيا ، والآخرة ، وليس هذا بجيد . قوله : { ويسألونك عن اليتامى } هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم } [ الأنعام : 152 ] وقوله : { إِنَّ الذين يَأكُلُونَ أموال اليتامى } [ النساء : 10 ] وقد كان ضاق على الأولياء الأمر - كما سيأتي بيانه إن شاء الله - فنزلت هذه الآية . والمراد بالإصلاح هنا : مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم ، فإن ذلك أصلح من مجانبتهم وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء ، والأوصياء بالبيع ، والمضاربة والإجارة ونحو ذلك .

قوله : { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم } اختلف في تفسير المخالطة لهم ، فقال أبو عبيدة : مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ، ويشقّ على كافله أن يفرد طعامه عنه ، ولا يجد بداً من خلطه بعياله ، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري ، فيجعله مع نفقة أهله ، وهذا قد تقع فيه الزيادة ، والنقصان ، فدلت هذه الآية على الرخصة ، وهي : ناسخة لما قبلها . وقيل : المراد بالمخالطة : المعاشرة للأيتام . وقيل : المراد بها : المصاهرة لهم ، والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص ، بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية . وقوله : { فَإِخوَانُكُمْ } خبر لمبتدأ محذوف أي : فهم إخوانكم في الدين . وفي قوله : { والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح } تحذير للأولياء أي : لا يخفى على الله من ذلك شيء ، فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح ، فلنفسه ، ومن أفسد فعلى نفسه . وقوله : { لأعْنَتَكُمْ } أي : ولو شاء لجعل ذلك شاقاً عليكم ، ومتعباً لكم ، وأوقعكم فيما فيه الحرج ، والمشقة . وقيل العنت هنا : معناه : الهلاك . قاله أبو عبيدة ، وأصل العنت المشقة . وقال ابن الأنباري : أصل العنت التشديد ، ثم نقل إلى معنى الهلاك . وقوله : { عَزِيزٌ } أي : لا يمتنع عليه شيء ؛ لأنه غالب لا يُغَالَب { حَكِيمٌ } يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته ، وحكمته ، وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم .

/خ220