فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَعَادٞ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو ٱلۡأَوۡتَادِ} (12)

لما ذكر سبحانه أحوال الكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أمثالهم ممن تقدّمهم ، وعمل عملهم من الكفر والتكذيب ، فقال : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد } قال المفسرون : كانت له أوتاد يعذب بها الناس ، وذلك أنه كان إذا غضب على أحد ، وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض . وقيل : المراد بالأوتاد : الجموع ، والجنود الكثيرة ، يعني : أنهم كانوا يقوّون أمره ، ويشدّون سلطانه كما تقوى الأوتاد ما ضربت عليه ، فالكلام خارج مخرج الاستعارة على هذا . قال ابن قتيبة : العرب تقول : هم في عزّ ثابت الأوتاد ، وملك ثابت الأوتاد ، يريدون ملكاً دائماً شديداً ، وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ، ويقوم بالأوتاد . وقيل : المراد بالأوتاد هنا البناء المحكم ، أي : وفرعون ذو الأبنية المحكمة . قال الضحاك : والبنيان يسمى أوتاداً ، والأوتاد جمع وتد أفصحها فتح الواو ، وكسر التاء ، ويقال : وتد بفتحهما ، وودّ بإدغام التاء في الدال وودت . قال الأصمعي : ويقال : وتد واتد مثل شغل شاغل ، وأنشد :

لاقت على الماء جذيلاً واتدا *** ولم يكن يخلفها المواعدا