فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ} (4)

قوله : { وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها } كم هي الخبرية المفيدة للتكثير ، وهي في موضع رفع على الابتداء و { أهلكناها } الخبر ، و " من قرية " تمييز ، ويجوز أن تكون في محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها ، لأن لها صدر الكلام ، ولولا اشتغال { أهلكناها } بالضمير لجاز انتصاب كم به ، والقرية موضع اجتماع الناس ، أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها ، أو أهلكنا أهلها ، والمراد أردنا إهلاكها .

قوله : { فَجَاءهَا بَأْسُنَا } معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مرّ ؛ لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير ، إذ الإهلاك هو نفس مجيء البأس . وقال الفراء : إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير ، والمعنى : أهلكناها وجاءها بأسنا ، والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها . وقيل : إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية ؛ فيكون المعنى : وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع . وقيل المعنى : وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . وقيل : أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا ، والبأس : هو العذاب . وحكي عن الفراء أنه إذا كان معنى الفعلين واحداً أو كالواحد قدمت أيهما شئت فيكون المعنى : وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها ، مثل دنا فقرب ، وقرب فدنا . { بَيَاتًا } أي ليلاً ، لأنه يبات فيه ، يقال بات يبيت بيتاً وبياتاً ، وهو مصدر واقع موقع الحال ، أي بائتين .

قوله : { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } معطوف على بياتاً : أي بائتين أو قائلين ، وجاءت الجملة الحالية بدون واو استثقالاً لاجتماع الواوين واو العطف وواو الحال ، هكذا قال الفراء . واعترضه الزجاج فقال : هذا خطأ بل لا يحتاج إلى الواو ، تقول : جاءني زيد راكباً ، أو هو ماش ، لأن في الجملة ضميراً قد عاد إلى الأوّل ، و أو في هذا الموضع للتفصيل لا للشك . والقيلولة هي نوم نصف النهار . وقيل : هي مجرد الاستراحة في ذلك الوقت لشدّة الحرّ من دون نوم ، وخص الوقتين لأنهما وقت السكون والدعة ، فمجيء العذاب فيهما أشدّ وأفظع .