فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (60)

ثم أمر سبحانه بإعداد القوّة للأعداء ، والقوّة كل ما يتقوّى به في الحرب ، ومن ذلك السلاح والقسيّ . وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : " وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ألا إن القوّة الرمي ، قالها ثلاث مرات " وقيل : هي الحصون ، والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متعين . قوله : { وَمِن رّبَاطِ الخيل } . قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة «ومن ربط الخيل » بضم الراء والباء ككتب : جمع كتاب . قال أبو حاتم : الرباط من الخيل الخمس فما فوقها ، وهي الخيل التي ترتبط بإزاء العدو . ومنه قول الشاعر :

أمر الإله بربطها لعدوّه *** في الحرب إن الله خير موفق

قال في الكشاف : والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة . ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال . انتهى . ومن فسر القوّة بكل ما يتقوّى به في الحرب جعل عطف الخيل من عطف الخاص على العام ، وجملة { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ } في محل نصب على الحال ، والترهيب : التخويف ، والضمير في به عائد إلى «ما » في { ما استطعتم } أو إلى المصدر المفهوم من { وأعدّوا } وهو الإعداد . والمراد بعدوّ الله وعدوهم هم المشركون من أهل مكة ، وغيرهم من مشركي العرب . قوله : { وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم } معطوف على عدوّ الله وعدوّكم . ومعنى من دونهم : من غيرهم . قيل هم اليهود . وقيل فارس والروم ، وقيل الجنّ ، ورجحه ابن جرير . وقيل المراد بالآخرين من غيرهم : كل من لا تعرف عداوته ، قاله السهيلي . وقيل : هم بنو قريظة خاصة ، وقيل غير ذلك . والأولى : الوقف في تعيينهم لقوله : { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ } . قوله : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْء فِي سَبِيلِ الله } أي : في الجهاد وإن كان يسيراً حقيراً { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } جزاؤه في الآخرة . فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، كما قرّرناه سابقاً . { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } في شيء من هذه النفقة التي تنفقونها في سبيل الله ، أي من ثوابها ، بل يصير ذلك إليكم وافياً وافراً كاملاً { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } { أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } .

/خ60