فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

قوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } أم هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل ، والهمزة والاستفهام للتوبيخ ، وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر ، والمعنى : كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه ، وقوله : { أَن تُتْرَكُواْ } في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه . وقال المبرد : إنه حذف الثاني ، والتقدير : أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق ، الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب . وجملة { وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ } في محل نصب على الحال ، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم ، والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركوا ، ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص ، وجملة : { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ } معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة ، والوليجة : من الولوج : وهو الدخول ، ولج يلج ولوجاً : إذا دخل ، فالوليجة : الدخيلة . قال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه ، فهو وليجة . قال أبان بن ثعلب :

فبئس الوليجة للهاربي *** ن والمعتدين وأهل الريب

وقال الفراء : الوليجة : البطانة من المشركين ، والمعنى واحد ، أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم ، وتعلمونهم أموركم من دون الله { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : بجميع أعمالكم .

/خ16