فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

قوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين عن تخلف المنافقين ، والخبال : الفساد والنميمة ، وإيقاع الاختلاف والأراجيف . قيل : هذا الاستثناء منقطع : أي ما زادوكم قوّة ، ولكن طلبوا الخبال . وقيل المعنى : لا يزيدونكم فيما تردّدون فيه من الرأي إلا خبالاً فيكون متصلاً . وقيل : هو استثناء من أعمّ العام : أي ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً . فيكون الاستثناء من قسم المتصل ؛ لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشيء . قوله : { ولأَوْضَعُواْ خلالكم يَبْغُونَكُمُ الفتنة } الإيضاع : سرعة السير ، ومنه قوله ورقة بن نوفل :

يا ليتني فيها جذع *** أخبّ فيها وأضع

يقال : أوضع البعير : إذا أسرع السير . وقيل : الإيضاع : سير الخبب ، والخلل : الفرجة بين الشيئين ، والجمع الخلال : أي الفرج التي تكون بين الصفوف . والمعنى : لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذات البين . قوله : { يَبْغُونَكُمُ الفتنة } يقال : بغيته كذا : طلبته له ، وأبغيته كذا : أعنته على طلبه . والمعنى : يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد . وقيل : الفتنة هنا الشرك . وجملة : { وَفِيكُمْ سماعون لَهُمْ } في محل نصب على الحال ، أي والحال أنّ فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب ، فينقله إليكم فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم ، والفساد لإخوانكم { والله عَلِيمٌ بالظالمين } وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم ، لذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم ، وكره انبعاثهم معكم ، ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدّم من عتابه على الإذن لهم في التخلف ؛ لأنه سارع إلى الإذن لهم ، ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل ، فعوتب صلى الله عليه وسلم على تسرّعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب ، ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة : { فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَائِفَةٍ مّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِي أَبَدًا } الآية ، وقال في سورة الفتح : { سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ } إلى قوله : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } .

/خ49