سورة الحجرات مدنية ، وآياتها 18 آية ، نزلت بعد سورة المجادلة .
هذه سورة الآداب العامة ومكارم الأخلاق والتهذيب والتأديب ، سورة هذبت وجدان المسلمين وحركت فيهم دوافع الخير والمعروف ، وحاربت نوازع السخرية والاستهزاء بالآخرين ، وحثت على إزالة أسباب الخصام والبغضاء ، وحرصت على تأليف القلوب وإشاعة المحبة والمودة بين الناس ، ولذلك نهت عن ظن السوء بالمسلم المخلص ، وعن تتبع العورات المستورة ، وعن الغيبة واللمز والتنابز بالألقاب ، وبينت أن الناس جميعا عند الله سواء ، كلهم لآدم وآدم من تراب ، فهم يتفاضلون عنده بالتقوى ، ويدركون ثوابه بالعمل الصالح .
سورة الحجرات يمكن أن تكون دائرة معارف شاملة لتربية الفرد وتهذيب الجماعة ، فهي تقدم منهجا للحياة السليمة ، ونظاما تربويا ناجحا لخلق مواطن صالح مؤمن بربه ، يحترم دينه ويؤدي شعائره .
هذه سورة جليلة ضخمة ، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة ، ومن حقائق الوجود والإنسانية ، حقائق تفتح للقلب والعقل آفاقا عالية ، وآمادا بعيدة ، وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة ، وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم ، وقواعد التربية والتهذيب ، ومبادئ التشريع والتوجيه ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات .
وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبير والتفكير .
وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة ، هو أنها تستقل بوضع معالم كاملة لعالم رفيع كريم نظيف سليم ، متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم ، والتي تكفل قيامه أولا وصيانته أخيرا ، عالم يصدر عن الله ، ويتجه إلى الله ، ويليق بأن ينتسب إلى الله ، عالم نقي القلب نظيف المشاعر ، عف اللسان ، وقبل ذلك عف السريرة ، وعالم له أدب مع الله وأدب مع رسوله ، وأدب مع نفسه ، وأدب مع غيره ، أدب في هواجس ضميره ، وفي حركات جوارحه ، وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه ، وله نظمه التي تكفل صيانته ، وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب ، وتنبثق منه ، وتتسق معه ، فيتوافق باطن هذا العالم وظاهره ، وتتلاقى شرائعه ومشاعره ، وتتوازن دوافعه وزواجره ، وتتناسق أحاسيسه وخطاه وهو يتجه ويتحرك إلى الله . ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته ، لمجرد أدب الضمير ونظافة الشعور ، ولا يوكل كذلك لمجرد التشريع والتنظيم ، بل يلتقي هذا بذاك في انسجام وتناسق ، كذلك لا يوكل لشعور الفرد وجهده كما لا يترك لنظم الدولة وإجراءاتها ، بل يلتقي فيه الأفراد بالدولة ، والدولة بالأفراد ، وتتلاقى واجباتهما ونشاطهما في تعاون واتساق1 .
اشتملت السورة على طائفة كريمة من المعاني الإسلامية والآداب الدينية ، فقد أمرت المسلمين ألا يصدروا في أحكامهم إلا عن طاعة الله والتزام أوامره ، ويجب ألا يسبقوا أحكام الله وأن يجعلوا اختيارهم وذوقهم الديني تابعا لهدى الله . ( الآية : 1 ) .
وهي تأمرهم بالتزام الأدب أمام النبي الكريم ، وبحسن المعاملة وخفض الصوت عند خطاب الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو خاتم المرسلين ، وهو الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وربى المسلمين تربية إلهية حتى صاروا خير أمة أخرجت للناس ( الآيات : 2-5 ) .
وتأمر السورة المسلمين أن يتثبتوا في أحكامهم ، وألا يصدقوا أخبار الفاسقين وإشاعات المغرضين وأراجيف المرجفين ، فالرسول صلى الله عليه وسلم معهم ، وهدى القرآن والسنة بين أيديهم ، وحقائق الإيمان وأحكامه واضحة أمامهم ، وقد حبب الله إليهم الإيمان وحجب عنهم الكفر والعصيان ، فلله الفضل والمنة ، وهو العليم بعباده ، الحكيم في أفعاله . ( الآيات : 6-8 ) .
والمؤمنون أمة واحدة ، ربهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وكتباهم واحد ، ودينهم يقوم على التسامح والتعاون والتناصح ، فإذا حدث خلاف بين طائفتين ، أو قتال ونزاع ، فمن الواجب أن نحاول الصلح بينهما ، وإذا أصرت إحدى الطائفتين على البغي والعدوان فمن الواجب أن نقف في وجه المعتدي حتى يفيء إلى الحق ، وعلينا أن نؤكد مفاهيم الحق والعدل ، وأن نحث على الإصلاح ورأب الصدع حفاظا على وحدة الأمة وجمع شمل المسلمين . ( الآيتان : 9 ، 10 ) .
وتأمر الآيات بالبعد عن السخرية والاستهزاء بالآخرين ، فالإنسان إنسان بمخبره وإنسانيته لا بمظهره وتعاليه ، وهناك قيم حقيقية لمقادير الناس هي حسن صلتهم بالله ورضا الله عنهم ، فقد يسخر الغني من الفقير ، والقوي من الضعيف ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة . ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين ، ورب أشعت أغبر لو أقسم على الله لأبره . وتحرم الآيات كذلك اللمز والسخرية بالآخرين ، والتنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ويحسون فيها مهانة وعيبا . فشتان بين آداب الإيمان ، وبين الفسوق والعصيان وظلم الآخرين . ( الآية : 11 ) .
وتستمر الآيات فتنتهي عن ظن السوء ، وعن تتبع عورات الناس حتى يعيش الناس آمنين على بيوتهم وأسرارهم ، وحتى تصان حقوقهم وحرياتهم ، وتنهي عن الغيبة وتحذر منها ، وتبين أن الناس جميعا خلقوا من أصل واحد ثم تفرعت بهم الشعوب والقبائل ، والعلاقة بين الناس أساسها التعارف على الخير ، وأكرم الناس عند الله أكثرهم تقوى وطاعة لأمره والتزاما بهديه . ( الآيتان : 12 ، 13 ) .
وفي ختام السورة نجد لوحة هادفة ترسم معالم الإيمان ، فالمؤمن الحق من آمن بالله ورسوله ولم يتطرق الشك إلى قلبه ، وأتبع ذلك بالجهاد والعمل على نصرة الإسلام ، وسار في طريق العقيدة السليمة والتزم بآدابها وهديها .
ونجد صورة نابية للأعراب الذين افتخروا بالإيمان ، وتظاهروا به رياء وسمعة ، وجاءوا في تيه وخيلاء يمنون على النبي لأنهم دخلوا في الإسلام ، وهي صورة كريهة فيها الرياء والسمعة والمنة ، مع أن الله هو العليم بنفوسهم والبصير بخباياهم ، وهو صاحب الفضل والمنة عليهم إن كانوا صادقين .
إن المؤمنين الصادقين هم الذين آمنوا بالله ربا ، واختاروا الإسلام دينا ، وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، وجمعوا بين صدق اليقين وأدب السلوك . ( الآيات : 14-18 ) .
وفي الحديث الشريف : ( ليس الإيمان بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ) .
معظم مقصود سورة الحجرات ما يأتي : المحافظة على أمر الحق تعالى ، ومراعاة حرمة الأكابر ، والتؤدة في الأمور ، واجتناب التهور ، والنجدة في إغاثة المظلوم ، والاحتراز عن السخرية بالخلق ، والحذر عن التجسس والغيبة ، وترك الفخر بالأحساب والأنساب ، والتحاشي عن المنة على الله بالطاعة .
وقد تكرر خطاب المؤمنين في السورة خمس مرات بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا . . . } والمخاطبون هم المؤمنون في الآيات : 1 و2 و6 و11 و12 ، والمخاطب به أمر ونهي ، وفي الآية 13 : { يا أيها الناس . . . } والمخاطب به المؤمنون والكافرون . حيث قال سبحانه : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } . والناس كلهم في ذلك سواء2 .
لا تقدموا : لا تتقدموا ، من قولهم : مقدمة الجيش ، لمن تقدم منهم ، قال أبو عبيدة : العرب تقول : لا تقدِّم بين يدي الإمام ، وبين يدي الأب ، أي : لا تعجل بالأمر دونه ، وقيل : المراد لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة .
1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .
طلب الله تعالى من المسلمين توقير الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحترامه وإتباعه ، وعدم التقدم عليه .
ولا تسبقوا بأحكامكم أحكام الله ، وأحكام رسوله ، وراقبوا الله إن الله ، { سميع } . لأقوالكم ، { عليم } . بأحوالكم فنحن في حياتنا نقتدي بالكتاب والسنة وعمل الصحابة ، ونجعل أحكام الإسلام سابقة غير مسبوقة ، مقدمة غير متأخرة .
والأصل أن العبد لا يجوز أن يتقدم على سيده ، والخادم لا يجوز أن يتقدم على مخدومه ، فإن ذلك عيب مذموم ، فضرب الله ذلك مثلا لمن يقدم رأيه وحكمه ، على رأى الله وحكمه تعالى ، أي لا تسبقوا بأحكامكم أحكام الله وأحكام رسوله ، واتقوا الله وراقبوه ، إن الله سميع لكل شيء ، عليم بكل شيء ، وفي معنى هذه الآية -أي تقديم حكم الله وحكم رسوله على اجتهاد الإنسان- ورد الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى اليمن ، وقال له : ( بم تحكم ) ؟ ، قال : بكتاب الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ) ؟ ، قال : بسنة رسوله ، قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ) ؟ ، قال : أجتهد رأيي ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر معاذ ، وقال : ( الحمد لله الذي وفق رسول رسوله ، لما يرضي رسول الله )3 .
وهذا يعني أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ، ولو قدمه لكان تقديما بين يدي الله ورسوله .
اختلف الرواة في سبب نزول هذه الآية ، فقال بعضهم : سببها أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : يا رسول الله أمِّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله . . . } إلى قوله تعالى : { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } . ( الحجرات : 5 ) ، رواه البخاري ، عن محمد بن الصباح ، وقيل في سبب النزول أسباب أخرى ، ويمكن الجمع بينها ، بأنها نزلت بعد وقوع هذه الأسباب جميعها ، فتكون من باب تعدد الأسباب والمنزل واحد .
ويقول بعض العلماء : لعلها نزلت من غير سبب ، لتكون دستورا للمسلمين في أعمالهم وأقوالهم ، فيلتزموا بهدي القرآن ، وبتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتخذوه القدوة والمثل الأعلى .
قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } . ( الأحزاب : 21 ) .
قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قرأ يعقوب : ( لا تقدموا ) بفتح التاء والدال من التقدم أي : لا تتقدموا ، وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال ، من التقديم ، وهو لازم بمعنى التقدم مثل بين وتبين ، قيل : هو متعد على ظاهره ، والمفعول محذوف ، أي : لا تقدموا القول والفعل بين يدي الله ورسوله . قال أبو عبيدة : تقول العرب : لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب ، أي : لا تعجل بالأمر والنهي دونه ، والمعنى : بين اليدين الأمام . والقدام ، أي : لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما . واختلفوا في معناه : روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى ، وهو قول الحسن ، أي لا تذبحوا قبل أن يذبح محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن ناساً ذبحوا قبل صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن رحب ، حدثنا شعبة ، عن زيد ، عن الشعبي ، عن البراء قال خطبنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، قال : " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء " .
وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك ، أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة ، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم ، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة ، قال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس ، قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، قال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت في ذلك : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت . ورواه نافع عن ابن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، قال فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } إلى قوله : { أجر عظيم } ، وزاد : قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه ، ولم يذكر عن أبيه ، يعني أبا بكر . وقال قتادة : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون : لو أنزل في كذا ، أو صنع في كذا وكذا ، فكره الله ذلك . وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه . وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله . { واتقوا الله } ، في تضييع حقه ومخالفة أمره ، { إن الله سميع } لأقوالكم ، { عليم } بأفعالكم .
هذه السورة مدنية وعدد آياتها ثماني عشرة ، وهي - على قلة آياتها- جاءت زاخرة بمختلف المعاني في السلوك والآداب والأحكام والمواعظ ، وقد جاءت السورة مبدوءة بوجوب التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومخاطبته في غاية التوقير والتعظيم .
وقد تضمنت السورة تنديدا بأولي الطبائع الغليظة من قساة الأعراب وأجلافهم الذين لم يوقروا النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ كانوا ينادونه من وراء بيوته بأصوات مستهجنة لا أدب فيها ولا تواضع .
وفي السورة يأمر الله عباده المؤمنين أن يتثبتوا لدى سماعهم أخبارا يحملها فاسقون ، فلا يبادروا التصديق واليقين لما سمعوه لاحتمال الكذب أو الخطأ ، ومن شأن ذلك أن يورث الزلل والندامة .
ويأمر الله عباده المؤمنين أن يصلحوا بين إخوانهم المقتتلين بالعدل ، والمؤمنون في ميزان الإسلام أخوة على الدوام .
وفي السورة نهي عن جملة رذائل قد ندد بها الإسلام تنديدا ، وهي السخرية من الناس ، والتنابز بالألقاب ، وكذلك الكثير من الظن ثم التجسس والغيبة ، وهذه رذائل وصفات ذميمة تذهب بالحسنات وتورث السيئات والمباغضات وفساد ذات البين .
وفي السورة إعلان من الله ظاهر يرسخ فيه المساواة بين الناس وأنه ليس من تفاضل بينهم لسبب من الأسباب التي يعتبرها البشر ، وإنما التفاضل في ميزان الله ، بالتقوى دون غيره . إلى غير ذلك من الأحكام والمعاني .
{ ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم 1 يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون 2 إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } .
هذه جملة آداب ، خليق بالمؤمنين أن يتأدبوا بها لدى تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل أو خطاب ، فيكون ذلك في غاية التكريم له والتوقير والتعظيم وهو قوله سبحانه : { ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } أي لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أو أمر من الأمور حتى يحكم الله على لسانه صلى الله عليه وسلم أو لا تبادروا القول أو الفعل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كونوا تبعا له في كل ذلك .
قوله : { واتقوا الله إن الله سميع عليم } أي اخشوا ربكم وافعلوا ما أمركم به واجتنبوا ما نهاكم عنه ، فإنه يسمع ما تقولون وتعلنون ويعلم ما تخفون وتكتمون .