تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

6

المفردات :

الفاسق : هو الخارج عن حدود الدين ، من قولهم : فسق الرطب ، إذا خرج من قشره .

بنبإ : بخبر .

فتبينوا : التبيُّن هو طلب البيان ، والمراد : التثبت من صدق الخبر أو كذبه ، قال الراغب : ولا يقال للخبر نبأ إلا إذا كان ذا فائدة عظيمة ، وبه يحصل علم أو غلبة ظن .

أن تصيبوا قوما : لئلا تعتدوا على قوم .

بجهالة : جاهلين حالهم .

فتصبحوا : فتصيروا .

نادمين : مغتمين غما لازما ، متمنين أنه لم يقع ، فإن الندم هو الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه .

التفسير :

6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } .

يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم من يحتمل فسقه بخبر عظيم من الأخبار ، فتثبتوا من صدق ذلك الخبر ، ولا تتسرعوا في الحكم على الآخرين خشية أن تعتدوا على قوم آمنين مستقيمين ، جاهلين إيمانهم واستقامتهم ، فتصيروا بعد العدوان عليهم نادمين مغتمين ، تتمنون لو أنكم ما فعلتم هذا العدوان على قوم لا يستحقونه .

فالآية الكريمة ترشد المسلمين في كل زمان ومكان إلى كيفية استقبال الأخبار استقبالا سليما ، وإلى كيفية التصرف فيها تصرفا حكيما ، فتأمر بالتثبت والتحقق من صحة الأخبار ، حتى يعيش المجتمع الإسلامي في أمان واطمئنان ، وفي بعد عن الندم والتحسر على ما صدر منه من أحكام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } الآية ، نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقاً ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله عز وجل ، فبدا له الرجوع ، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فاتهمهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه ، وقال له : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار ، ففعل ذلك خالد ، ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء ، فأخذ منهم صدقاتهم ، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير ، فانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق } يعني الوليد بن عقبة ، { بنبأ } بخبر ، { فتبينوا أن تصيبوا } أي لا تصيبوا بالقتل والقتال ، { قوماً } برآء ، { بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } من إصابتكم بالخطأ .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله ولو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم } .

يأمر الله عباده المؤمنين أن يتثبتوا فيما يردهم من أخبار يقولها فاسقون أو مريبون أولو ثرثرة ولغط وتهويش فما ينبغي للمؤمنين في كل زمان أن يصدقوا أمثال هؤلاء فيبنوا أحكامهم على ما يسمعونه منهم فيضلّوا ويزلّوا ويصبحوا من النادمين . والفاسق هو الكاذب ، أو الذي لا يستحيي من الله .

وقد نزلت الآية في الوليد بن أبي معيط إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية . فلما سمع القوم تلقّوه تعظيما لله تعالى ولرسوله ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ، سمعنا برسوله فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى . فبدا له في الرجوع فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } وقيل : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يتصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ، وأنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا ( رضي الله عنه ) أنهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم . فلما أصبحوا أتاهم خالد ( رضي الله عنه ) فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله الآية . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يقول : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " {[4286]} .

قوله : { فتبيوا أن تصيبوا قوما بجاهلة } أي تثبتوا واحتاطوا ، أو أمهلوا حتى تعرفوا صحة النبأ ولا تعجلوا { أن تصيبوا قوما بجهالة } أي كراهية ، أو لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بخطأ منكم { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } أي فتندموا على ما أصبتم به غيركم من الجناية .


[4286]:أسباب النزول للنيسابوري ص 261 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 209، 210.