تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

67

المفردات :

الصور : القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل .

صعق : مات .

ينظرون : ينتظرون ماذا يفعل بهم .

التفسير :

68-{ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } .

تعرض الآية مشاهد القيامة ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن من علامات الساعة ظهور المسيخ الدجال ، ثم ظهور المسيح عيسى ابن مريم ، فيقتل المسيخ بإذن الله ، ثم يسود الوئام بين الناس سبعين سنة ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا طيبة تنزع أرواح المؤمنين الصالحين ، ولا تقوم القيامة إلا على لكع ابن لكع ، أي لئيم بن لئيم .

وقد تحدث القرآن أن هناك ثلاث صيحات ، الأولى صيحة الفزع ، والثانية صيحة الصعق والموت ، حيث يموت الناس جميعا ، ويكون ملك الموت آخر من يموت ، ويمكث الناس بعد نفخة الصعق أربعين سنة ، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولا ، وهو الباقي آخرا . ويقول : { لمن الملك اليوم . . . } ثم يجيب نفسه فيقول : { لله الواحد القهار } . ( غافر : 16 ) .

ثم يُحيى الله أول من يُحيى إسرافيل ، ويأمره أن ينفخ في الصور نفخة أخرى ، وهي نفخة البعث {[613]} ، قال تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } .

أي : ينفخ إسرافيل بعد أن يحييه الله تعالى قبل الخلائق ، فينفخ نفخة أخرى وهي نفخة البعث والإحياء ، فإذا جميع الخلائق الأموات يقومون من القبور ينظرون أهوال يوم القيامة .

قال تعالى : { فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة } . ( النازعات : 13 ، 14 ) .

وقال سبحانه : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } . ( الروم : 25 ) .

وقال تعالى : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا } . ( الإسراء : 52 ) .


[613]:أورد ابن كثير في تفسيره طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة عن الحشر، والنفخات الأولى والثانية والثالثة، كما عُنى مختصر تفسير ابن كثير للصابوني بتخريج هذه الأحاديث.
 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

{ ونفخ في الصور } أي في القرن ، النفحة الأولى التي بها الموت . { فصعق من في السموات ومن في الأرض }

خر ميتا من كان حيا فيهما . { ثم نفخ فيه أخرى } نفخة البعث . { ينظرون } ينتظرون ماذا يفعل بهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

{ 68 - 70 } { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

لما خوفهم تعالى من عظمته ، خوفهم بأحوال يوم القيامة ، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } وهو قرن عظيم ، لا يعلم عظمته إلا خالقه ، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه ، . فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام ، . أحد الملائكة المقربين ، وأحد حملة عرش الرحمن .

{ فَصَعِقَ } أي : غشي أو مات ، على اختلاف القولين : { مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ } أي : كلهم ، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها ، وما يعلمون أنها مقدمة له . { إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ممن ثبته اللّه عند النفخة ، فلم يصعق ، كالشهداء أو بعضهم ، وغيرهم . وهذه النفخة الأولى ، نفخة الصعق ، ونفخة الفزع .

{ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ } النفخة الثانية نفخة البعث { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون } أي : قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم ، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح ، وشخصت أبصارهم { يَنْظُرُونَ } ماذا يفعل اللّه بهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

قوله تعالى :{ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض } أي : ماتوا من الفزع وهي النفخة الأولى { إلا من شاء الله } اختلفوا في الذين استثناهم عز وجل ، وقد ذكرناهم في سورة النمل . قال الحسن : إلا من شاء الله يعني الله وحده : { ثم نفخ فيه } أي : في الصور { أخرى } أي : مرة أخرى { فإذا هم قيام ينظرون } من قبورهم ينتظرون أمر الله فيهم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد ابن معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون قالوا : أربعون يوماً ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال :أبيت ، قال : ثم ينزل الله من السماء ماء ، فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد ، وهو عجب الذنب ومنه يتركب الخلق يوم القيامة " .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

قوله تعالى : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى " بين ما يكون بعد قبض الأرض وطي السماء وهو النفخ في الصور ، وإنما هما نفختان ، يموت الخلق في الأولى منهما ويحيون في الثانية وقد مضى الكلام في هذا في " النمل " {[13339]} و " الأنعام " {[13340]} أيضا . والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام . وقد قيل : إنه يكون معه جبريل لحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن صاحبي الصور بأيديهما - أو في أيديهما - قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران ) خرجه ابن ماجة في السنن . وفي كتاب أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صاحب الصور ، وقال : ( عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل ) . واختلف في المستثنى من هم ؟ فقيل : هم الشهداء متقلدين أسيافهم حول العرش . روي مرفوعا من حديث أبي هريرة فيما ذكر القشيري ، ومن حديث عبد الله بن عمر فيما ذكر الثعلبي . وقيل : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . وروي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " فقالوا : يا نبي الله من هم الذين استثنى الله تعالى ؟ قال : ( هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فيقول الله تعالى لملك الموت يا ملك الموت من بقي من خلقي وهو أعلم فيقول : يا رب بقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت فيقول الله تعالى : خذ نفس إسرافيل وميكائيل فيخران ميتين كالطودين العظيمين فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول الله تعالى لجبريل يا جبريل من بقي فيقول تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني فيقول الله تعالى يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه يقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على الظَّرِب{[13341]} من الظِّرَابِ ) ذكره الثعلبي . وذكره النحاس أيضا من حديث محمد بن إسحاق ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعز : " فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال : ( جبريل وميكائيل وحملة العرش وملك الموت وإسرافيل ) وفي هذا الحديث : ( إن آخرهم موتا جبريل عليه وعليهم السلام ) وحديث أبي هريرة في الشهداء أصح على ما تقدم في " النمل " {[13342]} . وقال الضحاك : هو رضوان والحور ومالك والزبانية . وقيل : عقارب أهل النار وحياتها . وقال الحسن : هو الله الواحد القهار وما يدع أحدا من أهل السماء والأرض إلا أذاقه الموت . وقال قتادة : الله أعلم بثنياه . وقيل : الاستثناء في قوله : " إلا من شاء الله " يرجع إلى من مات قبل النفخة الأولى ، أي فيموت من في السماوات والأرض إلا من سبق موته لأنهم كانوا قد ماتوا .

وفي الصحيحين وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة قال : قال رجل من اليهود بسوق المدينة ، والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه ، قال : تقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( قال الله عز وجل : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " فأكون أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ) وخرجه الترمذي أيضا وقال فيه : حديث حسن صحيح . قال القشيري : ومن حمل الاستثناء على موسى والشهداء فهؤلاء قد ماتوا غير أنهم أحياء عند الله . فيجوز أن تكون الصعقة بزوال العقل دون زوال الحياة ، ويجوز أن تكون بالموت ، ولا يبعد أن يكون الموت والحياة فكل ذلك مما يجوزه العقل ، والأمر في وقوعه موقوف على خبر صدق .

قلت : جاء في بعض طرق أبي هريرة أنه عليه السلام قال : ( لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش{[13343]} فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله ) خرجه مسلم . ونحوه عن أبي سعيد الخدري ، والإفاقة إنما تكون عن غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة . والله أعلم .

قوله تعالى : " فإذا هم قيام ينظرون " أي فإذا الأموات من أهل الأرض والسماء أحياء بعثوا من قبورهم ، وأعيدت إليهم أبدانهم وأرواحهم ، فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون . وقيل : قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به . وقيل : هذا النظر بمعنى الانتظار ، أي ينتظرون ما يفعل بهم . وأجاز الكسائي قياما بالنصب ، كما تقول : خرجت فإذا زيد جالسا .


[13339]:راجع ج 13 ص 239 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13340]:راجع ج 7 ص 20 طبعة أولى أو ثانية.
[13341]:الظرب: ككتف الجبل الصغير والجمع ظراب. وقد يجمع في القلة على أظرب.
[13342]:راجع ج 13 ص 241 طبعة أولى أو ثانية.
[13343]:باطش بجانب العرش: أي متعلق به بقوّة.