تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

الإيمان بالقضاء هداية

{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 11 ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( 12 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 13 ) }

11

المفردات :

ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله : ما أصابت أحدا من الناس من مصيبة إلاّ بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه .

ومن يؤمن بالله يهد قلبه : ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى ، يهد قلبه للتسليم ، والرضاء بقضائه ، فيسترجع ويصبر .

التفسير :

11- { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

من شأن المؤمن أن يؤمن بالقضاء والقدر ، خيره وشره ، حلوه ومرّه ، فإذا نزلت بساحته المصائب صبر وتصبّر وتماسك ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

وقال أيضا : اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها .

أي : ارزقني ثواب ذلك المصاب ، وعوضني خيرا منه بفضلك .

أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلاّ كان خيرا له ، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " xiii

وقال ابن عباس : { بِإِذْنِ اللَّهِ } . يعني عن قدره ومشيئته . 1ه .

وهذا الرضا بالقضاء والقدر يجعل المؤمن راضيا محتسبا ، ثابت الجنان ، هادئ النفس .

{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ . . . }

إن الإيمان بالله تعالى ، والوثوق بأنه الإله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الفعّال لما يريد ، يجعل القلب في هداية وصبر ، واحتمال وتماسك .

وقرأ السلمي وقتادة : يُهدَ قلبه . بضم الياء وفتح الدال ، ورفع الباء على البناء للمجهول .

وقرأ عكرمة : يهدأ قلبه . بهمزة ساكنة ، ورفع الباء ، أي : يسكن ويطمئن .

وقد وردت عدة قراءات في تفسير القرطبي ، وتلتقي جميعها على أنّ هداية القلب أو هدوء القلب منحة إلهية ، أو هبة ربانية وعطاء من الله للمؤمن الذي اطمأنّ إلى قضاء الله وقدره ، فرضي واحتسب وصبر ، وتيقن أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

قال علقمة : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ . . . }

هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم .

{ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

أي : هو سبحانه مطلع على خفايا النفوس ، عليم بمن صبر وبمن جزع ، وهو سبحانه يعلم السرّ وأخفى ، فليتق المؤمن ربه ، وليصبر على البأساء ، وليشكر على النعماء ، وليكن راضيا بالقضاء والقدر ، خيره وشره ، حلوه ومرّه .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 22 ) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } . ( الحديد : 22-23 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما أصاب} ابن آدم {من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} يعني ومن يصدق بالله في المصيبة، ويعلم أن المصيبة من الله ويسلم لأمر الله يهده الله تعالى للاسترجاع، فذلك قوله: {يهد قلبه} للاسترجاع، يقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة:156]، وفي سورة البقرة يقول: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة:157] للاسترجاع {والله بكل شيء} من هذا {عليم}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: لم يصب أحدا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله، يقول: إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه." وَمَنْ يُؤمِنْ باللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ "يقول: ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك "يهد قلبه": يقول: يوفّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه...

وقوله: "وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَليمٌ" يقول: والله بكلّ شيء ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{بإذن الله} يعني بأمر الله... {بإذن الله} يعني بعلم الله... {بإذن الله} يعني بمشيئة الله، ولكل من ذلك وجه...

{ومن يؤمن بالله يهد قلبه}...

. أي من آمن بما شاهد من التدبير يهده الله تعالى ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة...

من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر يهد قلبه ليسكن، ويعلم أن الله أولى به...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والمصيبة: المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إلا بتقديره ومشيئته، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه {يَهْدِ قَلْبَهُ} يلطف به ويشرحه للازدياد من الطاعة والخير...

{والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعلم ما يؤثر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثر فيه فيمنحه ويمنعه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ما أصاب من مصيبة} يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثراً في أنفسهم، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر، وذلك أن الحكم واحد في أنها {بإذن الله}، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع...

.

{ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال فيه المفسرون المعنى: ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلمه، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

قَالَ الْقَاضِي: أَدْخَلَ عُلَمَاؤُنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي فُنُونِ الْأَحْكَامِ، وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمَ لِمَا يَنْفُذُ من أَمْرِ اللَّهِ، وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَحْكَامِ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَصَائِبِ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِالْمَقَادِيرِ من أَعْمَالِ الْقُلُوبِ؛ وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ سُبُلِ الْأَحْكَامِ، لَكِنْ لِلْجَوَارِحِ فِي ذَلِكَ أَعْمَالٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ، وَالْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ، فَإِذَا هَدَأَ الْقَلْبُ جَرَى اللِّسَانُ بِالْحَقِّ. وَرَكَدَت الْجَوَارِحُ عَن الْخَرْقِ، وَلَو اسْتَرْسَلَ الدَّمْعُ لَمْ يَضُرَّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبَيِّنًا لِذَلِكَ: {تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ»...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ما أصاب} أي أحداً يمكن المصائب أن تتوجه إليه، وذكر الفعل إشارة إلى القوة، وأعرق في النفي بقوله: {من مصيبة} أيّ مصيبة كانت دينية أو دنيوية من كفر أو غيره {إلا بإذن الله} أي بتقدير الملك الأعظم وتمكينه، فلا ينبغي لمؤمن أن يعوقه شيء من ذلك عن التقوى النافعة في يوم التغابن...

{ومن يؤمن بالله} أي يوجد الإيمان في وقت من الأوقات ويجدده بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله بسبب الملك الأعظم وتقديره وإذنه {يهد قلبه} أي يزده هداية بما يجدده له من التوفيق في كل وقت حتى يرسخ إيمانه فتنزاح عنه كل مصيبة، فإنه يتذكر أنها من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم بقضائه فيصبر له ويفعل ويقول ما أمر الله به ورسوله فيخف عليه...

{والله} أي الملك الذي لا نظير له {بكل شيء} مطلقاً من غير مثنوية {عليم} فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هو الإيمان الذي يرد كل شيء إلى الله، ويعتقد أن كل ما يصيب من خير ومن شر فهو بإذن الله. وهي حقيقة لا يكون إيمان بغيرها. فهي أساس جميع المشاعر الإيمانية عند مواجهة الحياة بأحداثها خيرها وشرها. كما يجوز أن تكون هناك مناسبة حاضرة في واقع الحال عند نزول هذه السورة. أو هذه الآية من السورة، فيما كان يقع بين المؤمنين والمشركين من وقائع...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

واختصت المصيبة في استعمال اللغة بما يَلحق الإِنسان من شر وضر وإن كان أصل فعلها يقال كما يصيب الإِنسان مطلقاً ولكن غلب إطلاق فعل أصاب على لحاق السوء، وقد قيل في قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79]...

والقصد من هذا تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب الحوادث لكيلا تُفَلّ عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن مهمات أمورهم وتدبير شؤونهم...

. {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، أي يهد قلبه عندما تصيبه مصيبة...

. والمعنى: أن المؤمن مرتاض بالأخلاق الإِسلامية متبع لوصايا الله تعالى فهو مجاف لفاسد الأخلاق من الجزع والهلع يتلقى ما يصيبه من مصيبة بالصبر والتفكر في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة أو مكدرة...

. {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} إيماء إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب لأنه يلزم من هدْي الله قلب المؤمن عند المصيبة ترغيب المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب فلذلك ذيل بجملة {والله بكل شيء عليم}...

.وفيه كناية عن مجازاة الصابرين بالثواب لأن فائدة علم الله التي تهم الناس هو التخلق ورجاء الثواب ورفع الدرجات...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

هذه هي الحقيقة الإيمانية التكوينية التي تجسد النظام العام للتدبير الإلهي لحركة الكون والحياة والإنسان، والتي تقرر بأن الحوادث المتنوعة في حياة الإنسان خاضعةٌ للقوانين الإلهية التي تحرك الوقائع، في ما يمثل السنن الكونية والاجتماعية، فلا مجال لأية حادثة إلا من خلال التقدير الإلهي لها، سواء كان ذلك بسبب مباشرٍ أو غير مباشر...

وليس معنى ذلك أن هذه المصائب التي تحدث للإنسان موضع رضا الله من الناحية التشريعية، لأن المسألة ليست مسألة الفعل المباشر من الله، بل هي مسألة السبب الذي جعل الله إدارته بيد العباد، وجعل العلاقة بينه وبين النتائج علاقة قانونية متصلةً بالسنن العامة، ولذلك نهى الله الإنسان عن إيجاد بعض الأسباب...

{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} في ما يحيط به من علاقات الأشياء ببعضها البعض، وارتباط المسببات بأسبابها، وحركة الإنسان في داخل عقله وروحه...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله). فما يجري من حوادث كلّها بإذن الله لا تخرج عن إرادته أبداً، وهذا هو معنى التوحيد الأفعالي، وإنّما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائماً وتشغل تفكيره. وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله، فإنّما نعني «الإرادة التكوينية» لا الإرادة التشريعية. وهنا يطرح سؤال مهمّ وهو: إنّ كثيراً من هذه الحوادث والكوارث التي تنزل بالناس تأتي من ظلم الظالمين وطغيان الجبابرة، أو أنّ الإنسان يبتلي بها بسبب الغفلة والجهل والتقصير... فهل أنّ ذلك كلّه بإذن الله؟ للإجابة على هذا السؤال نرجع إلى مجموع الآيات التي وردت في هذا المجال، فنلاحظ أنّها عرضت المصائب على نوعين: الأوّل: ما يكون جزءاً من طبيعة تكوين الإنسان كالموت والحوادث الطبيعية الأخرى، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عنه، فيقرّر القرآن الكريم بأنّ ذلك يقع بإذن الله. الثّاني: هو تلك المصائب التي تأتي من تقصير الإنسان ومن عمل يده، وله الدور الأساسي في تحقّقها، وهذه يقول القرآن: إنّها تصيبكم بسبب أعمالكم. وبناءً على ذلك فليس للإنسان أن يستسلم للظلم والجهل والفقر. ومن البديهي أنّ إرادة الله تتدخّل في جميع الأمور حتّى تلك الخاضعة لإرادة الإنسان وفعله، إذ لا تأثير لجميع الأسباب إلاّ بإذنه، وكلّ شيء خاضع لإرادته وسلطانه، ويبشّر القرآن المؤمنين بقوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه). فالمؤمن لا تهزمه المصائب ولا ييأس ولا يجزع. والله يهدي الإنسان حينما يكون شكوراً لنعمه، صابراً على بلائه، مستسلماً لقضائه. ولهداية القلوب معاني كثيرة منها (الصبر) و (التسليم) و (الشكر) و (الرضى) وقول: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وعندما يذكر المفسّرون أحد هذه الأمور، فإنّما يريدون بيان مصداق من مصاديق الآية لا معناها الكلّي. وتقول الآية في نهاية المطاف (والله بكلّ شيء عليم)...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } بعلمه وارادته { ومن يؤمن بالله } يصدق بأنه لاتصيبه مصيبة الا باذن الله { يهد قلبه } يجعله مهتديا حتى يشكر عند النعمة ويصبر عند الشدة

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

قوله تعالى : " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله " أي بإرادته وقضائه . وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله . وقيل : إلا بعلم الله . وقيل : سبب نزولها إن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل ، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه .

قوله تعالى : " ومن يؤمن بالله " أي يصدق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله . " يهد قلبه " للصبر والرضا . وقيل : يثبته على الإيمان . وقال أبو عثمان الجيزي : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة . وقيل : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " عند المصيبة فيقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة : 156 ] ؛ قاله ابن جبير . وقال ابن عباس : هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه . وقال الكلبي : هو إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر . وقيل : يهد طبه إلى نيل الثواب في الجنة . وقراءة العامة " يهد " بفتح الياء وكسر الدال ؛ لذكر اسم الله أولا . وقرأ السلمي وقتادة " يهد قلبه " بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء ؛ لأنه اسم فعل لم يسم فاعله .

وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج " نهد " بنون على التعظيم " قلبه " بالنصب . وقرأ عكرمة " يهدأ قلبه " بهمزة ساكنة ورفع الباء ، أي يسكن ويطمئن . وقرأ مثله مالك بن دينار ، إلا أنه لين الهمزة . " والله بكل شيء عليم " لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لأمره ، ولا كراهة من كرهه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

ولما كان من تعرفه من المرغبين والمرهبين لا يفعل ذلك إلا فيما ليس{[65803]} قادراً على حفظه وضبطه حتى لا يحتاج العامل في عمل ذلك إلى رقيب يحفظه ووكيل يلزمه ذلك العمل ويضبطه ، وكان قول المنافقين المتقدم في الإنفاق والإخراج من المصائب ، وكانت المصائب تطيب إذا كانت من الحبيب ، قال جواباً لمن يتوهم عدم القدرة متمماً ما مضى من خلال{[65804]} الأعمال بالإيمان بالقدر خيره وشره ، مرغباً في التسليم مرهباً من الجزع قاصراً الفعل ليعم كل مفعول : { ما أصاب } أي أحداً يمكن المصائب أن تتوجه إليه ، وذكر الفعل إشارة إلى القوة ، وأعرق في النفي بقوله : { من مصيبة } أيّ مصيبة كانت {[65805]}دينية أو دنيوية{[65806]} من كفر أو غيره { إلا بإذن الله } أي بتقدير الملك الأعظم وتمكينه ، فلا ينبغي لمؤمن أن يعوقه شيء من ذلك عن التقوى النافعة في يوم التغابن .

ولما تسبب{[65807]} عن ذلك ما تقديره : فمن يكفر بالله بتقديره عليه الكفر يغو قلبه ويزده ضلالاً فيفعل ما يتوغل{[65808]} به في المصيبة حتى تصير مصائب عدة فتهلكه ، عطف عليه قوله باعثاً على أول ركني الإسلام وهو إصلاح القوة العلمية : { ومن يؤمن بالله } أي يوجد الإيمان في وقت من الأوقات ويجدده بشهادة أن لا إله إلا الله و{[65809]}أن محمداً رسول الله بسبب الملك الأعظم وتقديره وإذنه { يهد قلبه } أي يزده هداية بما يجدده{[65810]} له من التوفيق في كل وقت حتى يرسخ إيمانه فتنزاح عنه كل مصيبة ، فإنه يتذكر أنها من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم بقضائه فيصبر له ويفعل ويقول ما أمر الله به ورسوله فيخف عليه ، ولا يعوقه عن شيء من المنجيات في{[65811]} يوم التغابن ، {[65812]}بل يحصل{[65813]} له بسببها عدة أرباح وفوائد ، فتكون حياته{[65814]} طيبة بالعافية الشاملة في الدينيات والكونيات لأن بالعافية في الكونيات{[65815]} تطيب الحياة في الدنيا ، وبالعافية في الدينيات تطيب الحياة في{[65816]} الآخرة فتكون العيشة راضية ، وذلك{[65817]} بأن يصير عمله كله صواباً في سرائه وضرائه فيترك كل فاحشة دينية ظاهرة بدنية وباطنة قلبية ويترك الهلع في المصائب الكونية كالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وذلك لأنه بصلاح القلب ينصلح البدن كله .

ولما كان التقدير تعليلاً لذلك : فاللّه على كل شيء قدير فهو{[65818]} لا يدع شيئاً يكون إلا بإذنه ، عطف عليه قوله : { والله } أي الملك الذي لا نظير له { بكل شيء } مطلقاً من غير مثنوية { عليم * } فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة .


[65803]:- زيد في الأصل: عليه أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65804]:- من ظ وم، وفي الأصل: إخلال.
[65805]:- من ظ وم، وفي الأصل: دنيوية أو دينية.
[65806]:- من ظ وم، وفي الأصل: دنيوية أو دينية.
[65807]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبب.
[65808]:- من ظ وم، وفي الأصل: يتوعد.
[65809]:- زيد في الأصل: اشهد، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65810]:- من م، وفي الأصل وظ: يجدد.
[65811]:- من ظ وم، وفي الأصل: المحبات.
[65812]:- من م، وفي الأصل وظ: ليحصل.
[65813]:- من م، وفي الأصل وظ: ليحصل.
[65814]:- من ظ وم، وفي الأصل: حياة.
[65815]:- من م، وفي الأصل وظ: الكون.
[65816]:- زيد من م.
[65817]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[65818]:- زيد من ظ وم.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم }

{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } بقضائه { ومن يؤمن بالله } في قوله إن المصيبة بقضائه { يهد قلبه } للصبر عليها { والله بكل شىء عليم } .