تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

1

المفردات :

بالغ أمره : منفذ حكمه وقضائه في خلقه ، يفعل ما يشاء .

قدرا : تقديرا وتوقيتا .

التفسير :

3- { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .

أفادت كتب الحديث وأسباب النزول أن عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا سالما ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أُسر ابني ، وشكا إليه الفاقة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اتق الله ، وأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم " . ففعل ، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل ، غفل عنها العدوّ فاستاقها ، فنزلت : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } . vii

والتوكل هو الاعتماد على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب .

والمعنى :

ومن يثق بالله تعالى ويعتمد عليه ، كفاه الله ما أهمّه ، وكان الله له معينا وكافيا في الدنيا والآخرة .

روى الحاكم ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .

{ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ . . . }

منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه ، بما يريده ويشاؤه ، وهو سبحانه فعّال لما يريد .

{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .

أي : جعل لكل أمر م الأمور مقدارا معلوما ، ووقتا محدودا ، حسب الحكمة الأزلية .

قال تعالى : { وكلّ شيء عنده بمقدار } . ( الرعد : 8 ) . جلّت حكمته تعالى ، وتعاظم تدبيره ، فيبغي للمؤمن أن يثق في حكمته وقدرته ، وأن يتوكل عليه .

قال القرطبي : أي جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه .

وقد أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره طائفة من الآيات والأحاديث والآثار المفيدة ، ننقل منها ما يأتي :

روى أحمد ، والنسائي ، وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يردّ القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البرّ " . viii

وروى ابن أبي حاتم ، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها " .

وروى أحمد ، والترمذي ، عن ابن عباس أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام ، إني معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " ix ( قال الترمذي : حسن صحيح ) .

وقد أورد الشيخ الفاضل ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير حكمة وضع جملة : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . بعد بيان أحكام الطلاق والرجعة والإشهاد ، وعدّة ذوات الأقراء وغيرها ، وكيفية العدة ، فهذه الجملة بمثابة التعليل لمدة العدة ، والأمر بالتقوى والتوكل ، فإذا تساءل إنسان : وأين منّي هذا الفرج ؟

جاء الجواب : { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } . ولهذه الجملة موقع التذليل لما سبقها من الأحكام أيضا ، بأنّ كل شيء عنده بمقدار ونظام وإبداع .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

ويهيّئ له من أسباب الرزق من حيث لا يخطر له على بال .

فالتقوى ملاك الأمر عند الله ، وبها نيطت السعادةُ في الدارين .

روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال : أجمع آيةٍ في القرآن : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } وإن أكبر آية في القرآن فَرَجاً : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } .

{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } .

ومن أخَذ بالأسباب وأخلص في عمله وتوكل على الله فإن الله تعالى يكفله ويكفيه ما أهمه في دنياه وأخراه . . وهكذا يجب أن تفهم هذه الآية الكريمة ، فليس معنى التوكل أن يقعد المرء ولا يعمل ويقول توكلت على الله . ولذلك قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : « اعقِلها وتوكل » إن الله تعالى بالغٌ مرادَه ، منفذٌ لمشيئته .

وقد جعل لكل شيء وقتا مقدَّرا بزمانه وبمكانه ، وبملابساته وبنتائجه وأسبابه ، وليس في هذا الكون شيء تمّ مصادفة ، ولا جزافا ، { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] . { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] .

قراءات :

قرأ حفص : بالغ أمره بضم الغين وكسر الراء من أمره على الإضافة . والباقون : بالغٌ أمرَه بضم الغين والتنوين ، ونصب أمره .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

قوله : { ويرزقه من حيث لا يحتسب } أي يؤتيه الله من فضله ما لم يكن يدري ، أو يرجو أو يؤمل .

قوله : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } يعني من يعتمد على الله في شأنه كله ويفوض كل أموره إلى الله كافيه ما أهمه { إن الله بالغ أمره } الله بالغ ما يريد من الأمر فلا يفوته أو يعجزه شيء .

قوله : { قد جعل الله لكل شيء قدرا } أي جعل لكل شيء مقدارا أو وقتا لا يتعداه . فجعل لكل من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه{[4563]} .


[4563]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 380 وفتح القدير جـ 5 ص 242.