تعجبك أجسامهم : لسلامتها وصباحتها وتناسق أعضائها .
تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم .
خشب : جمع خشباء ، وهي الخشبة المنخور جوفها .
يحسبون كل صيحة عليهم : يظنون أن كلّ صوت واقع بهم ، لجبنهم وهلعهم .
قاتلهم الله : لعنهم وطردهم من رحمته وأهلكهم .
أنّى يؤفكون : كيف يُصرفون عن الحق والإيمان بعد قيام البرهان .
4- { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .
كان عبد الله بن أُبي زعيم المنافقين جسيما وسيما ضخما ، زلق اللسان ، حسن الصوت ، وكانت معه مجموعة على شكله ، يجلسون فيحسبهم الناظر إليهم أنهم شيء جميل ، والواقع أن داخلهم معطوب بالنفاق .
إذا رأيت شكلهم أعجبك ظاهرهم ، وإذا تكلموا أعجبك حديثهم ، وتصرّفهم في القول وحسن صوتهم ، لكن داخلهم سيء ، وباطنهم نفاق وحسد وضغينة ، كأنهم خُشب مأخوذ قلبها ، فهي حسنة في الظاهر رديئة في الباطن ، ومع ضخامة أجسادهم فإنهم في غاية الهلع والخوف ، إذا سمعوا صوتا عاليا ، أو أُنشدت دابة ، أو صاح صائح بصوت مرتفع ، تملكهم الهلع والخوف ، خشية أن يفتضح أمرهم ، وأن يكشف سترهم ، وأن يظهر للناس نفاقهم .
ولقد قالوا : ( يكاد المريب يقول خذوني ) ، ويكاد السارق يقول – إذا رأى القيد – ضعوه في يدي ، من الرهبة والخوف من سوء أعمالهم .
ونحو الآية قوله تعالى : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } . ( الأحزاب : 19 ) .
وقد نظر المتنبي إلى الآية في قوله :
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ . . . }
هم العدوّ الحقيقي لك . فاحذرهم . ولا تكشف لهم أسرارك ، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار ، واحذر مؤامراتهم ودسائسهم .
{ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .
لعنهم الله وطردهم من رحمته وأهلكهم ، كيف يصرفون عن الحق والنور والهدى والرسالة ، ويميلون إلى الباطل والكفر ، والدسّ والخداع ، وصدّ الناس عن سبيل الله ، مع وجود النبي الخاتم والوحي الصادق ، ونور الإسلام وبرهانه ، ومع هذا اختاروا الضلالة وتركوا الهدى .
لا تخدعنك اللحى ولا الصور تسعةُ أعشار من ترى بقر
تعجبك أجسامهم : لصباحتها وتناسُب أعضائها .
تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم .
خشُب مسندة : جمع خشبة ، يعني أنهم أجسام فارغة لا حياة فيها .
يحسبون كل صيحة عليهم : فهم لشعورهم بالذنب وبحقيقة حالهم ، يظنون أن كل صوت أو حركة عليهم .
قاتلَهم الله : لعنهم الله وطردهم من رحمته .
ثم وصف هيئاتهم الظاهرة والباطنة ، فأجسامُهم في الظاهر حسنة تُعجِب الناس ، ومنطقهم حسن ، ولكلامهم حلاوة ، أما في الباطن فهم خُشُبٌ لا فائدة فيها ، أشباح بلا أرواح ، فسدت بواطنهم ، وحسنت ظواهرهم .
ثم وصفهم بالجبن والذلة إذا سمعوا أي صوت أو حركة ظنّوا أنهم المقصودون ، وأن أمرهم قد افتُضِح : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وأنهم هالكون لا محالة . { هُمُ العدو فاحذرهم } أيها الرسول ، ولا تأمنهم أبدا .
ثم زاد في ذمهم وتوبيخهم فقال :
{ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ } لعنهم الله وطردَهم من رحمته كيف يُصرَفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : خشب بإسكان الشين . والباقون : خشب بضم الخاء والشين .
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها ، { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي : من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه ، فأجسامهم وأقوالهم معجبة ، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها ، ولا ينال منها إلا الضرر المحض ، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم يخافون{[1104]} أن يطلع عليهم .
فهؤلاء { هُمُ الْعَدُوُّ } على الحقيقة ، لأن العدو البارز المتميز ، أهون من العدو الذي لا يشعر به ، وهو مخادع ماكر ، يزعم أنه ولي ، وهو العدو المبين ، { فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته ، واتضحت معالمه ، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء .
{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } في طولها واستواء خلقها وكا ن عبد الله ابن أبي
5 7 جسيما صبيحا فصيحا اذا تكلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله وهو قوله { وإن يقولوا تسمع لقولهم } ثم أعلم أنهم في ترك التفهم بمنزلة الخشب فقال { كأنهم خشب مسندة } أي ممالة الى الجدار { يحسبون } من جبنهم وسوء ظنهم { كل صيحة عليهم } أي ان نادى مناد في العسكر أو ارتفع صوت ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب { هم العدو } وان كانوا معك { فاحذرهم } ولا تأمنهم { قاتلهم الله } لعنهم الله { أنى يؤفكون } من أين يصرفون عن الحق بالباطل
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.