تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

1

المفردات :

بالغ أمره : منفذ حكمه وقضائه في خلقه ، يفعل ما يشاء .

قدرا : تقديرا وتوقيتا .

التفسير :

3- { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .

أفادت كتب الحديث وأسباب النزول أن عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا سالما ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أُسر ابني ، وشكا إليه الفاقة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اتق الله ، وأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم " . ففعل ، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل ، غفل عنها العدوّ فاستاقها ، فنزلت : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } . vii

والتوكل هو الاعتماد على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب .

والمعنى :

ومن يثق بالله تعالى ويعتمد عليه ، كفاه الله ما أهمّه ، وكان الله له معينا وكافيا في الدنيا والآخرة .

روى الحاكم ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .

{ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ . . . }

منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه ، بما يريده ويشاؤه ، وهو سبحانه فعّال لما يريد .

{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .

أي : جعل لكل أمر م الأمور مقدارا معلوما ، ووقتا محدودا ، حسب الحكمة الأزلية .

قال تعالى : { وكلّ شيء عنده بمقدار } . ( الرعد : 8 ) . جلّت حكمته تعالى ، وتعاظم تدبيره ، فيبغي للمؤمن أن يثق في حكمته وقدرته ، وأن يتوكل عليه .

قال القرطبي : أي جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه .

وقد أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره طائفة من الآيات والأحاديث والآثار المفيدة ، ننقل منها ما يأتي :

روى أحمد ، والنسائي ، وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يردّ القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البرّ " . viii

وروى ابن أبي حاتم ، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها " .

وروى أحمد ، والترمذي ، عن ابن عباس أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام ، إني معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " ix ( قال الترمذي : حسن صحيح ) .

وقد أورد الشيخ الفاضل ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير حكمة وضع جملة : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . بعد بيان أحكام الطلاق والرجعة والإشهاد ، وعدّة ذوات الأقراء وغيرها ، وكيفية العدة ، فهذه الجملة بمثابة التعليل لمدة العدة ، والأمر بالتقوى والتوكل ، فإذا تساءل إنسان : وأين منّي هذا الفرج ؟

جاء الجواب : { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } . ولهذه الجملة موقع التذليل لما سبقها من الأحكام أيضا ، بأنّ كل شيء عنده بمقدار ونظام وإبداع .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

ويهيّئ له من أسباب الرزق من حيث لا يخطر له على بال .

فالتقوى ملاك الأمر عند الله ، وبها نيطت السعادةُ في الدارين .

روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال : أجمع آيةٍ في القرآن : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } وإن أكبر آية في القرآن فَرَجاً : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } .

{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } .

ومن أخَذ بالأسباب وأخلص في عمله وتوكل على الله فإن الله تعالى يكفله ويكفيه ما أهمه في دنياه وأخراه . . وهكذا يجب أن تفهم هذه الآية الكريمة ، فليس معنى التوكل أن يقعد المرء ولا يعمل ويقول توكلت على الله . ولذلك قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : « اعقِلها وتوكل » إن الله تعالى بالغٌ مرادَه ، منفذٌ لمشيئته .

وقد جعل لكل شيء وقتا مقدَّرا بزمانه وبمكانه ، وبملابساته وبنتائجه وأسبابه ، وليس في هذا الكون شيء تمّ مصادفة ، ولا جزافا ، { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] . { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] .

قراءات :

قرأ حفص : بالغ أمره بضم الغين وكسر الراء من أمره على الإضافة . والباقون : بالغٌ أمرَه بضم الغين والتنوين ، ونصب أمره .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ ويرزقه من حيث لا يحتسب } ويروى أن هذا نزل في عوف بن مالك الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان العدو أسر ابني وشكا اليه الفاقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله ففعل الرجل ذلك فبينا هو في بيته اذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو وأصاب ابلا لهم وغنما فساقها الى أبيه { ومن يتوكل على الله } ما أهمه يتوثق به ويسكن قلبه اليه { فهو حسبه } كافيه { إن الله بالغ أمره } يبلغ أمره فيما يريد وينفذه { قد جعل الله لكل شيء قدرا } ميقاتا وأجلا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

" ويرزقه من حيث لا يحتسب " من حيث لا يرجو . وقال ابن عيينة : هو البركة في الرزق . وقال أبو سعيد الخدري : ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجا مما كلفه بالمعونة له . وتأول ابن مسعود ومسروق الآية على العموم . وقال أبو ذر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنى لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم - ثم تلا - " ومن يق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب " ) . فما زال يكررها ويعيدها .

وقال ابن عباس : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب " قال : ( مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة ) . وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي : إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي . روي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن ابني أسره العدو وجزعت الأم . وعن جابر بن عبدالله : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا له يسمى سالما ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة وقال : إن العدو أسر ابني وجزعت الأم ، فما تأمرني ؟ فقال عليه السلام : ( اتق الله واصبر وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ) . فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله . فقالت : نعم ما أمرنا به . فجعلا يقولان ، فغفل العدو عن ابنه ، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه ، وهي أربعة آلاف شاة . فنزلت الآية ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأغنام له . في رواية : أنه جاء وقد أصاب إبلا من العدو وكان فقيرا . قال الكلبي : أصاب خمسين بعيرا . وفي رواية : فأفلت ابنه من الأسر وركب ناقة للقوم ، ومر في طريقه بسرح لهم فاستاقه . وقال مقاتل : أصاب غنما ومتاعا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : أيحل لي أن آكل مما أتى به ابني ؟ قال : ( نعم ) . ونزلت : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب " . فروي الحسن عن عمران بن الحصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة ورزقه من حيث لا يحتسب . ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ) . وقال الزجاج : أي إذا اتقى وآثر الحلال والتصبر على أهله ، فتح الله عليه إن كان ذا ضيقة ورزقه من حيث لا يحتسب . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ) .

قوله تعالى : " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه . وقيل : أي من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه ، فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية . ولم يرد الدنيا ؛ لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل . " إن الله بالغ أمره " قال مسروق{[15087]} : أي قاض{[15088]} أمره فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه ، إلا أن من توكل عليه فيكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا . وقراءة العامة " بالغ " منونا . " أمره " نصبا . وقرأ عاصم " بالغ أمره " بالإضافة وحذف التنوين استخفافا . وقرأ المفضل " بالغا أمره " على أن قوله : " قد جعل الله " خبر " إن " و " بالغا " حال . وقرأ داود بن أبي هند " بالغ أمره " بالتنوين ورفع الراء . قال الفراء : أي أمره بالغ . وقيل : " أمره " مرتفع " ببالغ " والمفعول محذوف ، والتقدير : بالغ أمره ما أراد . " قد جعل الله لكل شيء قدرا " أي لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه . وقيل تقديرا . وقال السدي : هو قدر الحيض في الأجل والعدة . وقال عبدالله بن رافع : لما نزل قوله تعالى : " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فنحن إذا توكلنا عليه نرسل ما كان لنا ولا نحفظه ، فنزلت : " إن الله بالغ أمره " فيكم وعليكم . وقال الربيع بن خيثم : إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ، ومن أقرضه جازاه ، ومن وثق به نجاه ، ومن دعاه أجاب له . وتصديق ذلك في كتاب الله : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه{[15089]} " [ التغابن : 11 ] . " ومن يتوكل على الله فهو حسبه{[15090]} " [ الطلاق : 3 ] . " إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم{[15091]} " [ التغابن : 17 ] . " ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم{[15092]} " [ آل عمران : 101 ] . " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{[15093]} " [ البقرة : 186 ] .


[15087]:ما بين المربعين ساقط من ح، س.
[15088]:في الأصول: "يعني قاض".
[15089]:راجع ص 139 وص 161، 146 من هذا الجزء.
[15090]:راجع ص 139 وص 161، 146 من هذا الجزء.
[15091]:راجع ص 139 وص 161، 146 من هذا الجزء.
[15092]:راجع جـ 4 ص 156.
[15093]:راجع جـ 2 ص 308.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

{ ويرزقه } بحوله وقوته بجلب المسار في الدين والدنيا والآخرة في نظير ما اجتلب من فعل الأوامر .

ولما كان أحلى الهبات ما جاء من مكان لا يرجى قال : { من حيث لا يحتسب } أي لا يقوى رجاؤه له ، ولما أكد في هذا وأعظم الوعد لأنه وإن كان عاماً لكل متق فتعلقه بما تقدم أقوى والنظر فيما تقدم إلى حقوق العباد أكثر ، والمضايقة فيها أشد ، والدواعي إليها أبلغ ، فالاتقاء فيه بعدم الطلاق في الحيض والإضرار بالمرأة بتطويل العدة أو الإخراج من المسكن وكتمان الشهادة والعسر في أدائها والإخلال بشيء منها والتأكيد والإبلاغ في الوعد لأجل ما جبل عليه الإنسان من القلق في أموره ، عطف على ذلك قوله : { ومن يتوكل } أي{[66035]} يسند أموره كلها ويفوضها معتمداً فيها { على الله } أي الملك الذي بيده كل شيء ولا كفوء له فقد جمع الأركان الثلاثة التي لا يصلح التوكيل{[66036]} إلا بها ، وهي العلم المحيط لئلا يدلس عليه ، والقدرة التامة لئلا يعجز ، والرحمة بالمتوكل والعناية به{[66037]} لئلا يحيف عليه ، والتوكل يكون مع مباشرة الأسباب وهو من المقامات العظيمة وإلا كان اتكالاً ، وليس بمقام بل خسة همة وعدم مروءة ، لأنه إبطال حكمة الله التي أحكمها في الدنيا من ترتيب المسببات على الأسباب - قاله الملوي{[66038]} { فهو } أي الله في غيب غيبه فضلاً عن الشهادة بسبب توكله { حسبه } أي كافيه ، وحذف المتعلق للتعميم ، وحرف الاستعلاء للاشارة إلى أنه قد حمل أموره كلها عليه سبحانه لأنه القوي الذي لا يعصيه{[66039]} شيء ، والكريم الذي يحسن حمل ذلك ورعيه ، والعزيز الذي يدفع عنه كل ضار ويجلب له كل سار ، إلى غير ذلك من المعاني الكبار ، فلا يبدو له في عالم الشهادة{[66040]} شيء يشقيه لا من الغيب ولا من غيب الغيب ، وفي الحديث

" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح{[66041]} بطاناً " .

ولما كان ذلك أمراً لا يكاد يحيط{[66042]} به الوهم ، علله بقوله مهولاً له{[66043]} بالتأكيد والإظهار في موضع الإضمار : { إن الله } أي المحيط بكل كمال المنزه عن كل شائبة نقص { بالغ أمره } أي جميع ما يريده فلا بد من نفوذه سواء حصل توكل أم لا ، وسماه أمراً إشارة إلى أنه مما يستحق أن يؤمر به وإلى أنه في سرعة{[66044]} الكون إذا أريد لم يتخلف بوجه بل يكون كالمؤتمر الحقير للملك الجليل الكبير .

ولما كان ضرب المقادير من القادر موجباً لعدم الإخلال بشيء{[66045]} منها ، علل ذلك بما اقتضى تحتم الوعد والتوكل فقال : { قد جعل الله } أي الملك الذي لا كفوء له ولا معقب لحكمه جعلاً مطلقاً من غير تقيد بجهة ولا حيثية { لكل شيء قدراً * } أي تقديراً لا يتعداه في مقداره وزمانه ومكانه وجميع {[66046]}عوارضه وأحواله{[66047]} وإن اجتهد{[66048]} جميع الخلائق في{[66049]} أن يتعداه ، فمن توكل استفاد الأجر{[66050]} وخفف عنه الألم ، وقذف في قلبه السكينة ، ومن لم يتوكل لم ينفعه ذلك ، وزاد ألمه وطال غمه بشدة سعيه وخيبة أسبابه التي يعتقد أنها هي المنجحة ، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ، جف القلم فلا يزاد{[66051]} في المقادير شيء ولا ينقص منها شيء ، ويحكى{[66052]} أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال : أولني{[66053]} مما أولاك{[66054]} الله فقال : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا ، قال : إنا لا نولي{[66055]} من لا يقرأ القرآن ، فانصرف الرجل واجتهد حتى تعلم القرآن رجاء أن يعود إلى عمر فيوليه{[66056]} ، فلما تعلم القرآن تخلف{[66057]} عن عمر فرآه ذات يوم فقال : يا هذا ! أهجرتنا ، فقال : يا أمير المؤمنين ! لست ممن يهجر ؟ ولكني{[66058]} تعلمت القرآن فأغناني الله عن عمر وعن باب عمر ، قال : أي آية أغنتك ؟ قال : قوله تعالى :

{[66059]}ومن يتق الله يجعل له مخرجاً{[66060]} ويزرقه من حيث لا يحتسب }[ الطلاق : 2 و 3 ] انتهى . ومن توكل{[66061]} على غيره سبحانه وتعالى ضاع لأنه لا يعلم المصالح وإن علمها لم يعلم أين هي ، وإن علم{[66062]} لم يعلم متى{[66063]} يستعملها وإن علم لم يعلم كم المقدار المستعمل ، وإن علم لم يعلم كيف يستعملها{[66064]} وهو سبحانه المنفرد {[66065]}بعلم ذلك{[66066]} كله وما لا يعلمه حق علمه غيره ، والآية تفهم أن من لم يتق الله يقتر عليه ، وهو موافق لما روى ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له - وقال : صحيح الإسناد - عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه{[66067]} " وتفهم أن من لم يتوكل لم يكف شيئاً{[66068]} من الأشياء .


[66035]:- زيد من ظ وم.
[66036]:- من ظ ومن وفي الأصل: التوكل.
[66037]:- زيد من ظ وم.
[66038]:- من ظ وم، وفي الأصل: المولى، والملوى هو محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله.
[66039]:- من ظ وم، وفي الأصل: يصيبه.
[66040]:- من ظ وم، وفي الأصل: الغيب.
[66041]:- من ظ وم، وفي الأصل: ترجع.
[66042]:- زيد من ظ وم.
[66043]:- زيد من ظ وم.
[66044]:- من ظ وم، وفي الأصل: شرعة.
[66045]:-من ظ وم، وفي الأصل: في شيء.
[66046]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحواله وعوارضه.
[66047]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحواله وعوارضه.
[66048]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66049]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميع الخلائق.
[66050]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمر.
[66051]:- من ظ وم، وفي الأصل: فلا يزارو.
[66052]:- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.
[66053]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الولاك.
[66054]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الولاك.
[66055]:- من ظ وم، وفي الأصل: نوع.
[66056]:- من م، وفي الأصل وظ: فيواليه.
[66057]:- من ظ وم، وفي الأصل: تخفف.
[66058]:- من م، وفي الأصل وظ: لكن.
[66059]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66060]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66061]:- من ظ وم، وفي الأصل: يتوكل.
[66062]:- زيد في الأصل: إذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66063]:- من ظ وم، وفي الأصل: بشيء.
[66064]:- زيد من ظ وم.
[66065]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[66066]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[66067]:- راجع أيضا مسند الإمام أحمد 5/ 280.
[66068]:- من ظ وم، وفي الأصل: شيء.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا} (3)

قوله : { ويرزقه من حيث لا يحتسب } أي يؤتيه الله من فضله ما لم يكن يدري ، أو يرجو أو يؤمل .

قوله : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } يعني من يعتمد على الله في شأنه كله ويفوض كل أموره إلى الله كافيه ما أهمه { إن الله بالغ أمره } الله بالغ ما يريد من الأمر فلا يفوته أو يعجزه شيء .

قوله : { قد جعل الله لكل شيء قدرا } أي جعل لكل شيء مقدارا أو وقتا لا يتعداه . فجعل لكل من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه{[4563]} .


[4563]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 380 وفتح القدير جـ 5 ص 242.