تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النصر

أهداف سورة النصر

( سورة النصر مدنية ، وآياتها 3 آيات ، نزلت بعد سورة التوبة )

ومع قصرها فإنها حملت البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله والفتح ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، ثم طلبت منه التسبيح والحمد والاستغفار .

إذا جاء نصر الله والفتح . وأظهرك على أعدائه ، وفتح لك مكة . ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا . فوجا بعد فوج . فنزه ربك حامدا إياه على ما أولاك من النعم والمنن ، واستغفر الله لحظة الانتصار من الزهو والغرور والتقصير ، إنه كان ولم يزل توابا كثير القبول للتوبة ، يحب التوابين ويحب المتطهرين .

ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا ، انحنى على راحلته حتى أوشك أن يسجد عليها ، وهو يقول : ( تائبون آيبون حامدون لربنا شاكرون ) .

سورة التوديع

ويورة النصر تحمل بين طياتها إتمام الرسالة ، وأداء الأمانة ، والاستعداد للحاق بالرفيق الأعلى .

قال البيضاوي : تسمى سورة التوديع .

ويقال : إن عمر لما سمعها بكى ، وقال : الكمال دليل الزوال .

وروي أن العباس بكى لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما يبكيك ) ؟ قال : نعيت إليه نفسك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنها لكما تقول ، وإنما ذلك لأن فيها تمام الأمر ) .

كما في قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم . . . ( المائدة : 3 ) .

وجاء في رواية للبخاري أن عمر رضي الله عنه سأل أشياخ بدر ، فقال : ما تقولون في قول الله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح . حتى ختم السورة ، فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال : أكذلك تقول يا بن عباس ؟ قلت : لا ، فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه له . قال : إذا جاء نصر الله والفتح . فذلك علامة أجلك . فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابا . فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول . i .

وفي رواية الإمام أحمد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى اله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله : ( سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ) . ii .

مقاصد السورة

1- عند الفتح الأكبر ودخول الناس في دين الإسلام ، ينبغي شكر الله والاستغفار من كل تقصير ، فإن باب الله مفتوح ، وهو صاحب الطول ، ويقبل التوبة من جميع التائبين .

2- وفي السورة إيذان بأداء النبي صلى الله عليه وسلم للرسالة العظمى ، وانتهاء المهمة الكبرى ، وتوجيه له بأن يستعد للموت بالاستغفار والتوبة وشكر الله والتسبيح بحمده .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا جاء نصر الله والفتح 1 ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا 2 فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابا 3 }

المفردات :

الفتح : المراد به : فتح مكة .

1

التفسير :

1- إذا جاء نصر الله والفتح .

إذا كثر نصرك على العباد ، وفتح الله لك البلاد ، وفتحت مكة أم القرى .

ونلحظ أن الله أضاف النصر إليه ، فهو نصر الله ، لقد مكث المؤمنون في مكة ثلاثة عشر عاما ، يتعرضون لأقسى ألوان الاضطهاد ، ثم هاجروا إلى المدينة ، وخاضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوات وسرايا ، بلغ عددها اثنتين وخمسين غزوة وسرية خلال عشر سنوات ، كلها كفاح وجهاد ، يمسون ويصبحون في الحديد ، أي في الدروع والسيوف وآلات الحرب ، وكانت النفوس تتشوف إلى نصر حاسم ، وكان الله تعالى يدّخر ذلك لحكمة يعلمها ، وهو العليم الحكيم .

قال تعالى : حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين . ( يوسف : 110 ) .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مدنية بإجماع ، وتسمى سورة " التوديع " . وهي ثلاث آيات . وهي آخر سورة نزلت جميعا ، قاله ابن عباس في صحيح مسلم .

النصر : العون مأخوذ من قولهم : قد نصر الغيث الأرض : إذا أعان على نباتها ، من قحطها . قال الشاعر{[16515]} :

إذا انسلخ الشهرُ الحرامُ فودِّعِي *** بلادَ تميم وانصري أرض عامِرِ

ويروى :

إذا دخل الشهر الحرام فجاوزِي *** بلادَ تميم وانصري أرض عامر

يقال : نصره على عدوه ينصره نصرا ، أي أعانه . والاسم النصرة ، واستنصره على عدوه : أي سأله أن ينصره عليه . وتناصروا : نصر بعضهم بعضا . ثم قيل : المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش . الطبري . وقيل : نصره على من قاتله من الكفار ، فإن عاقبة النصر كانت له . وأما الفتح فهو فتح مكة ، عن الحسن ومجاهد وغيرهما . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : هو فتح المدائن والقصور . وقيل : فتح سائر البلاد . وقيل : ما فتحه عليه من العلوم . و " إذا " بمعنى قد ، أي قد جاء نصر الله ؛ لأن نزولها بعد الفتح . ويمكن أن يكون معناه : إذا يجيئك .


[16515]:هو الراعي يخاطب خيلا. (عن اللسان مادة نصر).
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مدنية ، وآياتها ثلاث .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا جاء نصر الله والفتح 1 ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا 2 فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } .

نزلت هذه السورة في منصرف النبي صلى الله عليه وسله من غزوة حنين {[4871]} .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعيت إليّ نفسي " ، ومن أجل ذلك سميت هذه السورة سورة " التوديع " ، وهي آخر سورة نزلت .

وثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح : " لا هجرة ، ولكن جهاد ونية ، ولكن إذا استنفرتم فانفروا " {[4872]} .

قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } النصر معناه الإعانة والتقوية أو الإغاثة{[4873]} . والفتح معناه الإظهار على العدو . ومنه نصر الله الأرض أي غاثها ، والفتح : فتح البلاد . والمراد بالنصر في الآية هو نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين . والمراد بالفتح : فتح مكة .


[4871]:أسباب النزول للنيسابوري ص 308.
[4872]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 562.
[4873]:المصباح المنير جـ 2 ص 276.