مسد : هو الليف ، أي : في عنقها حبل من ليف تجمع فيه الحطب وتحزمه .
في عنقها حبل من ليف ، أي هي في جهنم بصورة زرية ، تحمل النار على ظهرها ، وفي عنقها حبل من نار ، شأن حاملي الحطب الذين يربطون حبلا في أعناقهم ، ويعلّقون فيه ما يجمعون .
لقد كانت نموذجا للعداوة هي وزوجها ، وقد آلمتها هذه السورة ونالت منها ، وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها حجر لتقذفه به ، فأعمى الله بصرها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تشاهد غير أبي بكر الصديق .
والسورة تبيّن عدالة الإسلام ، فأقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذمّه القرآن وذمّ زوجته بسبب أعمالها ، وقد مات أبو لب حزينا كئيبا بعد هزيمة بدر ، ثم نصر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وخلّد ذكره .
i تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ، 30/263 .
ii مقتبس من تفسير جزء عم ، للأستاذ الإمام محمد عبده ، ص 133 .
قوله تعالى : " في جيدها " أي عنقها . وقال امرؤ القيس :
وجيدٍ كجيد الريم ليس بفَاحِشٍ *** إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّلِ{[16549]}
" حبل من مسد " أي من ليف ، قال النابغة :
مقذوفةٍ بدخِيسِ النَّحْضِ بازِلُهَا *** له صريفٌ صريفُ القَعْوِ بالمسد{[16550]}
يا مَسَدَ الخُوصِ تعوَّذْ مني *** إن كنت لدْناً ليِّناً فإني
ما شئت من أشمط مُقْسَئِنّ{[16551]}
وقد يكون من جلود الإبل ، أو من أوبارها ، قال الشاعر :
ومسد أمرَّ من أيانقِ *** لَسْنَ بأنياب ولا حقائق{[16552]}
وجمع الجيد أجياد ، والمسد أمساد . أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف . قال الحسن : هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد ، وكانت تفتل . قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ، فكانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف ، فخنقها الله جل وعز به فأهلكها ، وهو في الآخرة حبل من نار . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : { في جيدها حبل من مسد } قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا- وقاله مجاهد وعروة بن الزبير- تدخل من فيها ، وتحرج من أسفلها ، ويلوى سائرها على عنقها . وقال قتادة : { حبل من مسد } قال : قلادة من ودع . الودع : خرز بيض تخرج من البحر ، تتفاوت في الصغر والكبر . قال الشاعر :
والحلمُ حلمُ صبيٍّ يمرِثُ الوَدَعَهْ{[16553]}
والجمع : ودعات . الحسن : إنما كان خرزا في عنقها . سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد . ويكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة . وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان ، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء ، كالمربوط في جيده بحبل من مسد . والمسد : الفتل . يقال : مسد حبله يمسِده مسدا ، أي أجاد فتله . قال{[16554]} :
يقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده . ودابة ممسودة الخلق : إذا كانت شديدة الأسر{[16555]} . قال الشاعر :
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أيانق *** صُهْبٍ عِتَاقٍ ذاتِ مُخٍّ زاهِقِ
لسن بأنيابٍ ولا حقائقِ{[16556]}
قال الفراء : هو مرفوع ، والشعر مكفأ{[16557]} . يقول : بل مخهن مكتنز ، رفعه على الابتداء . قال : ولا يجوز أن يريد ( ولا ضعاف زاهق مخهن ) ، كما لا يجوز أن تقول : مررت برجل أبوه قائم ، بالخفض . وقال غيره : الزاهق هنا : بمعنى الذاهب ، كأنه قال : ولا ضعاف مخهن ، ثم رد الزاهق على الضعاف . ورجل ممسود : أي مجدول الخلق . وجارية حسنة المسد والعصب والجدل والأرم{[16558]} ؛ وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة . والمساد ، على فعال : لغة في المساب{[16559]} ، وهي نحي السمن ، وميقاء العسل ، قال جميعه الجوهري . وقد اعترض فقيل : إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به ، فكيف يبقى في النار ؟ وأجيب عنه بأن الله عز وجل قادر على تجديده كلما احترق . والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة{[16560]} ، فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما . ففيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم . فامرأته خنقها الله بحبلها ، وأبو لهب رماه الله بالعدسة{[16561]} بعد وقعة بدر بسبع ليال ، بعد أن شجته أم الفضل{[16562]} . وذلك أنه لما قدم الحيسُمانُ مكة يخبر خبر بدر ، قال له أبو لهب : أخبرني خبر الناس . قال : نعم ، والله ما هو إلا أن لقينا القوم ، فمنحناهم أكتافنا ، يضعون السلاح منا حيث شاؤوا ، ومع ذلك ما لمت الناس . لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، لا والله ما تبقي منا . يقول : ما تبقي شيئا . قال أبو رافع : وكنت غلاما للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، فرفعت طنب الحجرة ، فقلت : تلك والله الملائكة . قال : فرفع أبو لهب يده ، فضرب وجهي ضربة منكرة ، وثاورته{[16563]} ، وكنت رجلا ضعيفا ، فاحتملني ، فضرب بي الأرض ، وبرك على صدري يضربني . وتقدمت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فتأخذه وتقول : استضعفتَه أن غاب عنه سيده ! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقُه شجَّةٌ منكرة . فقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة ، فمات ، وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ، ثم إن ولده غسلوه بالماء ، قذفا من بعيد ، مخافة عدوى العدسة . وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون . ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا{[16564]} عليه الحجارة .
{ في جيدها حبل من مسد } الجيد العنق والمسد الليف ، وقيل : الحبل المفتول ، وفي المراد به ثلاثة أقوال :
الأول : أنه إخبار عن حملها الحطب في الدنيا على القول الأول ، وفي ذلك تحقير لها ، وإظهار لخساسة حالها .
والآخر : أن حالها في جهنم يكون كذلك ، أي : يكون في عنقها حبل .
الثالث : أنها كانت لها قلادة فاخرة ، فقالت : لأنفقنها على عداوة محمد ، فأخبر عن قلادتها بحبل المسد على جهة التفاؤل والذم لها بتبرجها ، ويحتمل قوله : وامرأته وما بعده وجوها من الإعراب يختلف الوقف باختلافها ، وهي أن يكون امرأته مبتدأ ، و{ حمالة الحطب } خبره ، أو يكون { حمالة الحطب } نعت ، والخبر { في جيدها حبل من مسد } ، أو يكون امرأته معطوفا على الضمير في يصلى ، وحمالة الحطب نعت ، أو خبر ابتداء مضمر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.