تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

{ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور( 22 ) ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور( 23 )نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ( 24 ) }

المفردات :

يسلم وجهه : يفوض إلى الله جميع أموره .

محسن : مطيع لله في أمره ونهيه .

العروة الوثقى : أوثق العرى وأمتنها وهو مثل وأصله : أن من يرقى إلى جبل شاهق أو يريد النزول منه يستمسك بحبل متين مأمون الانقطاع .

عاقبة الأمور : مصير الأمور ونهايتها .

التفسير :

{ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وغلى الله عاقبة الأمور . }

ومن يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه سبحانه مع إخلاص القلب وطهارة النية فقد تمسك بالعروة الوثقى ، والحبل القوي المتين .

والأصل في العروة الوثقى : أنها الحبل القوي الذي إذا أراد إنسان صعود جبل أو النزول منه تعلق به فهي تعبير مصور لبيان أن المسلم المخلص لله المعتمد عليه متمسك بأقوى سبب وأوثق قوة .

{ وإلى الله عاقبة الأمور } أي : مصير الأمور ونهايتها إلى الله ومن وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء .

قال ابن كثير

{ فقد استمسك بالعروة الوثقى . . . } أي : فقد أخذ موثقا من الله متينا أنه لا يعذبه .

وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير :

أوثق العرى جانب الله لأن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

قوله تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله " أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى . " وهو محسن " لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع . نظيره : " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " {[12612]} [ طه : 112 ] . وفي حديث جبريل قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . " فقد استمسك بالعروة الوثقى " قال ابن عباس : لا إله إلا الله ؛ وقد مضى في " البقرة " {[12613]} . وقد قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسلمي وعبد الله بن مسلم بن يسار : " ومن يسلم " . النحاس : و " يسلم " في هذا أعرف ؛ كما قال عز وجل : " فقل أسلمت وجهي{[12614]} لله " [ آل عمران : 20 ] ومعنى : " أسلمت وجهي لله " قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل ، ويكون " يسلم " على التكثير . إلا أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت . يقال سلمت في الحنطة ، وقد يقال أسلمت . الزمخشري : قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : " ومن يسلم " بالتشديد ، يقال : أسلم أمرك وسلم أمرك إلى الله تعالى ، فإن قلت : ماله عدي بإلى ، وقد عدي باللام في قول عز وجل : " بلى من أسلم وجهه{[12615]} لله " ؟ [ البقرة : 112 ] قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله ، أي خالصا له . ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه . والمراد التوكل عليه والتفويض إليه . " وإلى الله عاقبة الأمور " أي مصيرها .


[12612]:راجع ج 11 ص 248 فما بعد.
[12613]:راجع ج 3 ص 279.
[12614]:راجع ج 4 ص 45.
[12615]:راجع ج 2 ص 74 فما بعد.