لعنتم : لأصابكم العنت ، وهو المشقة والإثم .
الكفر : تغطية نعم الله تعالى بالجحود لها .
الفسوق : الخروج عن الحد كما سبق .
الراشدون : الرشاد : إصابة الحق ، وإتباع الطريق السوي مع تصلب فيه ، من الرشادة وهي الصخرة .
7- { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } .
واعلموا أيها الصحابة الكرام ، أن فيكم رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، الذي ختم الله به الرسالات ، وأوجب عليكم إتباعه ، وأوجب توقيره واحترامه ، وعدم التقدم عليه وعدم سبق حكمه .
وربما كان هناك من الصحابة من زين للرسول صلى الله عليه وسلم الهجوم على بني المصطلق وقتالهم ، بعد سماع كلام الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فكان مضمون الآية مفيدا الرد عليهم ، منبها إلى وجوب التثبت وعدم التسرع ، ووجوب التأني في اقتراح ما ينبغي عمله ، والانتظار لما يشير به الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم .
{ لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم . . . }
والعنت الوقوع في الشدة والمهالك ، لو أن الرسول سارع بإطاعة من حبب إليه قتال بني المصطلق ، ونفذ الأمر ، ثم تبينتم الحقيقة لوقعتم في الحرج والشدة والضيق ، بسبب وجود قتلى وجرحى أبرياء .
والنحاة هنا يسمون ( لو ) حرف امتناع ، أي : بسبب عدم طاعة الرسول للمتسرعين ، لم تقعوا في الحرج والهلاك ، وكان هناك عدد من الصحابة لا يميلون إلى التسرع ، ويرون التثبت ، وهم الذين عناهم الله بقوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } .
تأتي ( لكن ) للاستدراك ، أي مغايرة ما بعدها لما قبلها ، أي مع وجود بعض المتسرعين بينكم ، لكن الله تعالى حبب الإيمان إلى أكثركم ، وزين الإيمان في قلوبكم ، أي جعله محبوبا محترما معشوقا ، صالحا للفداء والتضحية ، كذلك كره إلى جملة الصحابة ، { الكفر } . وهو جحود نعمة الله ، { والفسوق } . وهو الخروج على أمر الله ، { والعصيان } . وهو مخالفة أمر الله أو أمر رسوله .
هؤلاء الأكثرية المهتدون المطيعون ، هم الذين منحهم الله الرشاد والهداية ، والتوفيق والتمسك بالإيمان ، وطاعة الله وطاعة رسوله .
{ 7-8 } { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
أي : ليكن لديكم معلومًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين أظهركم ، وهو الرسول الكريم ، البار ، الراشد ، الذي يريد بكم الخير وينصح لكم ، وتريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ، ما لا يوافقكم الرسول عليه ، ولو يطيعكم في كثير من الأمر لشق عليكم وأعنتكم ، ولكن الرسول يرشدكم ، والله تعالى يحبب إليكم الإيمان ، ويزينه في قلوبكم ، بما أودع الله في قلوبكم من محبة الحق وإيثاره ، وبما ينصب على الحق من الشواهد ، والأدلة الدالة على صحته ، وقبول القلوب والفطر له ، وبما يفعله تعالى بكم ، من توفيقه للإنابة إليه ، ويكره إليكم الكفر والفسوق ، أي : الذنوب الكبار ، والعصيان : هي ما دون ذلك من الذنوب{[796]} بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر ، وعدم إرادة فعله ، وبما نصبه من الأدلة والشواهد على فساده ، وعدم قبول الفطر له ، وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له{[797]} .
{ أُولَئِكَ } أي : الذين زين الله الإيمان في قلوبهم ، وحببه إليهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان { هُمُ الرَّاشِدُونَ } أي : الذين صلحت علومهم وأعمالهم ، واستقاموا على الدين القويم ، والصراط المستقيم .
وضدهم الغاوون ، الذين حبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، وكره إليهم الإيمان ، والذنب ذنبهم ، فإنهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم ، ولما { زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم أول مرة ، قلب الله أفئدتهم .
قوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } فاتقوا الله أن تقولوا باطلاً أو تكذبوه ، فإن الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا ، { لو يطيعكم } أي : الرسول ، { في كثير من الأمر } مما تخبرونه به فيحكم برأيكم ، { لعنتم } لأثمتم وهلكتم ، والعنت : الإثم والهلاك . { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } فجعله أحب الأديان إليكم { وزينه } ، حسنه ، { في قلوبكم } ، حتى اخترتموه ، وتطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم { وكره إليكم الكفر والفسوق } قال ابن عباس : يريد الكذب ، { والعصيان } جميع معاصي الله . ثم عاد من الخطاب إلى الخبر ، وقال : { أولئك هم الراشدون } المهتدون .
{ لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } أي : لشقيتم ، والعنت المشقة ، وإنما قال لو يطيعكم ولم يقل لو أطاعكم للدلالة على أنهم كانوا يريدون استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم ، والحق خلاف ذلك ، وإنما الواجب أن يطيعوه لا أن يطيعهم ، وذلك أن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأصوب من رأي غيره ، ولو أطاع الناس في رأيهم لهلكوا ، فالواجب عليهم الانقياد إليه والرجوع إلى أمره ، وإلى ذلك الإشارة بقوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } الآية .
قوله : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم } يقول الله لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم : اعلموا أيها المؤمنون أن فيكم رسول الله فهو بين أظهركم والله يخبره أنباءكم فتفتضحون فاحذروا أن تفتروا الكذب وتتقوّلوا ما هو زيف وباطل فإن الله منبئ به نبيه . ولو كان رسول الله يعمل بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون وتبتغون { لعنتّم } أي لأصابكم الإثم ونالكم المشقة والجرح . وذلك من العنت وهو الإثم والخطأ والمشقة{[4287]} وذلك كما لو قبل النبي من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق أنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة وجمعوا جموعهم لقتال المسلمين ، فقاتلهم النبي والمؤمنون وأصابوا من دمائهم وأموالهم بغير حق فلكان قد نالهم من الله العنت وهو الإثم والحرج والمشقة .
قوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } يخاطب الله عباده المؤمنين الصادقين المخلصين ليبين لهم ما امتن به عليهم من النعم ، وهو الإيمان . فقد رسخ الله في قلوبهم الإيمان وجعل ذلك في قلوبهم محببا { وزينه في قلوبكم } أي حسنه في قلوبكم تحسينا لتذوقوا به حلاوة العقيدة والقوى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } أي بغض الله الجحود والشرك لعباده المؤمنين الصادقين المخلصين فجعله بغيضا إلى قلوبهم . وكذا الفسوق وهو الخروج عن طاعة الله والتلبّس بالخطيئة والعصيان ، كل ذلك بغيض – بفضل الله – إلى قلوب المؤمنين المتقين المخبتين لله بالطاعة والإنابة .
قوله : { أولئك هم الراشدون } المتصفون بالرشد وهو الاستقامة على طريق الحق ، فهم ساربون على طريق الله المستقيم ، ومتبعون منهجه الرباني القويم غير زائغين ولا متعثرين .