تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

{ وقد مكروا مكرهم . . . } .

أي : إن هؤلاء الظالمين لم يعتبروا بما أصاب السابقين من الهلاك ؛ كغرق قوم نوح ، وهلاك عاد وثمود ، حيث بين الله لهم عاقبة الكفر ، وضرب لهم أمثلة تنتهي باندحار الباطل ، وانتصار الحق ، ولم يعتبروا بهذه الأمثال .

ثم : { مكروا مكرهم } .

دبّروا الكيد لمساندة الباطل ، ومقاومة الحق ، واستفرغوا في ذلك كل جهدهم .

{ وعند الله مكرهم } .

وفي علم الله تعالى جزاء مكرهم الذي فعلوه ، وسيكون العقاب من جنس العمل .

{ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .

إن هنا نافية بمعنى : ما ، وفي قراءة ابن مسعود : { وما كان مكرهم لتزول منه الجبال } .

أي : إن مكرهم مهما عظم واشتد ؛ لم يكن أهلا لإزالة الآيات والنبوّات الثابتة ثبات الجبال ، فالباطل مهما عظم إلى زوال ، والحق مهما قلّ أتباعه باق بقاء الجبال ، وهذا هو رأي الجمهور ، ومقصوده : الاستخفاف بمكر الظالمين ، وبيان : أن ما يضمرونه ليس خافيا على الله ، ولن يزلزل المؤمنين في عقيدتهم ؛ لأن إيمانهم كالجبال الرواسي في ثباته ورسوخه .

وذهب الكسائي34 إلى أن المراد من هذه الجملة الكريمة : التعظيم والتهويل من شأن مكرهم ، أي : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال ؛ فإن الله ينصر دينه .

وقريب من هذا المعنى قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا* لقد جئتم شيئا إدّا* تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا* أن دعوا للرحمن ولدا* وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا }( مريم : 88 92 ) .