السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

ولما أجاب سبحانه وتعالى الكفار عن شبهتهم بقوله تنزيهاً لنفسه عما يشركون وكان الكفار قالوا : هب أنّ الله تعالى قضى على بعض عبيده بالشرّ وعلى آخرين بالخير ولكن كيف يمكنك أن تعرف هذه الأمور التي لا يعلمها إلا الله تعالى ؟ وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله تعالى وأحكامه في ملكه وملكوته فأجابهم الله تعالى بقوله : { ينزل الملائكة } قال ابن عباس : يريد بالملائكة جبريل وحده . قال الواحدي : يسمى الواحد بالجمع إذا كان ذلك الواحد رئيساً . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الزاي والباقون بتشديدها والمراد { بالروح } الوحي أو القرآن فإنّ القلوب تحيا به من موت الجهالات وقوله تعالى : { من أمره } أي : بإرادته حال من الروح { على من يشاء من عباده } وهم الأنبياء { أن أنذروا } أي : خوّفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم { أنه } أي : الشأن { لا إله إلا أنا } أي : لا إله غيري وقوله تعالى : { فاتقون } أي : خافوني رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود .

تنبيه : في قوله تعالى : { أن أنذروا } ثلاثة أوجه أحدها : أنها المفسرة لأنّ الوحي فيه ضرب من القول والإنزال بالروح عبارة عن الوحي قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى ، 52 ] . الثاني : أنها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف . الثالث : أنها المصدرية التي من شأنها نصب المضارع ووصلت بالأمر كقولهم : كتبت إليه بأن قم والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة وأنّ النبوّة عطاءة .