فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

{ يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ } قرأ المفضل عن عاصم " تنزل الملائكة " ، والأصل : تتنزل ، فالفعل مسند إلى الملائكة . وقرأ الأعمش " تنزل " على البناء للمفعول ، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم " ننزل " بالنون ، والفاعل هو الله سبحانه . وقرأ الباقون { ينزل الملائكة } بالياء التحتية إلاّ أن ابن كثير ، وأبا عمرو يسكنان النون ، والفاعل هو الله سبحانه ؛ ووجه اتصال هذه الجملة بما قبلها أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم عن الله أنه قد قرب أمره ، ونهاهم عن الاستعجال ، تردّدوا في الطريق التي علم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فأخبر أنه علم بها بالوحي على ألسن رسل الله سبحانه من ملائكته ، والروح : الوحي ، ومثله : { يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] . وسمي الوحي روحاً لأنه يحيي قلوب المؤمنين ، فإن من جملة الوحي : القرآن ، وهو نازل من الدين منزلة الروح من الجسد ؛ وقيل : المراد أرواح الخلائق . وقيل : الروح الرحمة ، وقيل : الهداية لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح . قال الزجاج : الروح ما كان فيه من الله حياة بالإرشاد إلى أمره . وقال أبو عبيد : الروح هنا جبريل ، وتكون الباء على هذا بمعنى مع ، «ومن » في { مِنْ أَمْرِهِ } بيانية ، أي : بأشياء أو مبتدئاً من أمره ، أو صفة للروح ، أو متعلق ب{ ينزل } ، ومعنى { على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } على من اختصه بذلك ، وهم الأنبياء { أَنْ أَنْذِرُوا } . قال الزجاج : { أَنْ أَنْذِرُوا } بدل من الروح ، أي : ينزلهم بأن أنذروا ، و«أن » إما مفسرة لأن تنزل الوحي فيه معنى القول ، وإما مخففة من الثقيلة ، وضمير الشأن مقدّر ، أي : بأن الشأن أقول لكم أنذروا ، أي : أعلموا الناس { أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَا } أي : مروهم بتوحيدي ، وأعلموهم ذلك مع تخويفهم ، لأن في الإنذار تخويفاً وتهديداً . والضمير في أنه للشأن . { فاتقون } الخطاب للمستعجلين على طريق لالتفات ، وهو تحذير لهم من الشرك بالله ، ثم إن الله سبحانه لما أرشدهم إلى توحيده ، ذكر دلائل التوحيد فقال : { خُلِقَ السماوات والأرض بالحق } .

/خ9