نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

ولما تقرر بذلك تنزهه عن كل نقص : شرك وغيره ، شرع يصف نفسه سبحانه بصفات الكمال من الأمر والخلق ، ولما كان الأمر أقدم وأعلى ، بدأ به ، ولما كان من أمره إنزال الملائكة على الصورة التي طلبوها في قولهم ( لو ما تأتينا بالملائكة }[ الحجر :7 ] وقص عليهم في سورة إبراهيم ولوط عليهما السلام ما يترتب على إنزالهم مجتمعين ، وفهم منه أن لهم في نزولهم حالة أخرى لا تنكرها الرسل ، وهي حالة الإتيان إليهم بالعلم الذي نسبته إلى الأرواح نسبة الأرواح إلى الأشباح ، وكان ذلك ربما أثار لهم اعتراضاً يطلبون به الفرق بينهم وبين الرسل في إنزالهم عليهم دونهم - كما تقدم في الحجر ، وكان ما يشركون به لا تصرف له أصلاً بإنزال ولا غيره ، قال تعالى مشيراً إلى ذلك وإلى أن الوحي بواسطة الملك ، وأن النبوة عطائية لا كسبية : { ينزل الملائكة } الذين هم الملأ الأعلى { بالروح } أي المعنى الأعظم الذي هو للأرواح بمنزلة الأرواح للأشباح { من أمره } الذي هو كلامه المشتمل على الأمر والنهي { ألا له الخلق والأمر } وهو مما تميز به لحقيته وإعجازه عن جميع المخلوقات ، فكيف بما لا يعقل منها كالأصنام ! { على ما يشاء من عباده } دون بعض ، لأن ذلك نتيجة فعله بالاختيار ، وأبدل من الروح أو فسر الإنزال بالوحي لأنه متضمن معنى القول فقال : { أن أنذروا } أي الناس سطواتي ، فإنها لا محالة نازلة بمن أريد إنزالها به ، بسبب { أنه لا إله إلا أنا } وعبر بضمير المتكلم لأنه أدل على المراد لكونه أعرف ؛ وسبب عن وحدانيته التي هي منتهى كمال القوة العلمية قوله آمراً بما هو أقصى كمال القوة العملية : { فاتقون * } أي فليشتد خوفكم مني وأخذكم لما يكون وقاية لكم من عذابي ، فإنه لا مانع مما أريد ، فمن علمت أنه أهل للنقمة أنزلتها به ، ومن علمته أهلاً لتلقي الروح منحته إياه .