اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ} (17)

قوله تعالى{[23636]} : { واذكر فِي الكتاب } الآية{[23637]} . ( مَا ) مبتدأة{[23638]} استفهامية و ( تِلْكَ ) خبره ، و " بِيَمِينِكَ " متعلق بمحذوف ، لأنه حال كقوله : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخَاً }{[23639]} ، والعامل في الحال المقدرة معنى الإشارةَ{[23640]} وجوَّز الزمخشري أن تكون ( تِلْكَ ) موصولة بمعنى ( التي ) و ( بِيَمِينِكَ ) صلتها{[23641]} . ولم يذكر ابنُ عطية غيره{[23642]} . وهذا ليس مذهب البصريين أنهم لم يجعلوا ( من أسماء ){[23643]} الإشارة موصولاً ( ذَا ) بشروط تقدمت . وأما الكوفيون فيجيزون ذلك جميعها{[23644]} ، ومنه هذه الآية عندهم أي : وَمَا التي بيمينك وأنشدوا{[23645]} :

نَجَوْتَ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ{[23646]} *** . . .

أي والذي تحملين .

وقال الفراء معناه : وَمَا هذِهِ التي فِي يمينِكَ{[23647]} .

فصل{[23648]} {[23649]}

السؤال إنما يكون لطلب العلم ، وهو على الله تعالى محال . فما فائدة قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } ؟

والجواب{[23650]} فيه فوائد ، الأولَى{[23651]} : حكمةُ هذا السؤال تنبيهُهُ وتَوْقيفُه على أنها عصا ، حتى إذا{[23652]} قلبها حية عَلِمَ أنها معجزةٌ عظيمةٌ ، وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغيره : هَلْ تَعْرِف هَذَا ؟{[23653]} وهو لا يشك أنه يعرفه ، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه{[23654]} .

الثانية : أن يقرِّرُ عنده{[23655]} أنها خشبة حتى إذا قلبها ثعباناً لا يخافُها{[23656]} .

الثالثة : أنه تعالى لمَّا أراه الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء ، وأسْمَعَهُ كلام نفسه ، ثم أورد عليه التكليف الشاق ، وذكر له المعاد ، وختم ذلك بالتهديد العظيم ، فتحيَّر موسى - عليه السلام-{[23657]} ودُهِشَ ، ( فقيل له : " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينكَ " ، وتكلم معه بكلام البشر إزالةٌ لتلك الدهشة والحيرة ){[23658]} .

( فصل{[23659]} ){[23660]}

هذا خطاب من الله مع موسى بلا واسطة ، ولم يحصل ذلك لمحمد عليه السلام{[23661]} فيلزم أن يكون موسى أفضَل من محمد عليهما السلام{[23662]} .

فالجوابُ : أنَّه تعالى كما{[23663]} خاطبَ موسَى فقد{[23664]} خاطب محمداً في قوله : { فَأَوْحَى إلَى عِبْدِهِ مَا أَوْحَى }{[23665]} إلا أن الفرق أنَّ الذي ذكره مع موسى عليه السلام{[23666]} أفشاه إلى الخلق ، والذي ذكره مع محمد كان سراً لم يستأهل له أحداً من الخلق . وأيضاً إن كان موسى تكلم معه فأمةُ محمد يخاطبون الله تعالى في كل يوم مرات على ما{[23667]} قاله عليه السلام : " المُصَلَّى يُنَاجَي رَبَّهُ " {[23668]} والرَّبُ يتكلم مع آحاد أمة محمد{[23669]} يوم القيامة بالتسليم والتكريم لقوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }{[23670]} .


[23636]:تعالى: سقط من ب.
[23637]:الآية: سقط من ب.
[23638]:في ب: مبتدأ.
[23639]:[هود: 72].
[23640]:انظر البيان 2/140، التبيان 2/887، البحر المحيط 6/234.
[23641]:الكشاف 2/430.
[23642]:انظر تفسير ابن عطية 10/17.
[23643]:ما بين القوسين في ب: اسم.
[23644]:هذه المسألة من الأمور المختلف فيها بين البصريين والكوفيين. فالبصريون لا يجوز عندهم أن يستعمل من أسماء الإشارة اسما موصولا إلا (ذلك) بشروط وهي: أن لا تكون للإشارة لأنها لو كانت كذلك لدخلت على المفرد نحو: من ذا الذاهب والمفرد لا يصلح أن يكون صلة لغير (أل). وأن لا تكون (ذا) ملغاة، بأن تكون مركبة مع (ما) اسما واحدا، أو يحكم بزيادة (ذا)، وأن يتقدمها استفهام بـ(ما) باتفاق أو بـ (من) على الأصح. وذهب الكوفيون إلى أن (ذا) وجميع أسماء الإشارة تستعمل موصولة سواء تقدمت عليها (ما) الاستفهامية أم لا، استدلالا بقوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} [البقرة: 85] أي: أنتم الذين، وبقول الشاعر الآتي، وقوله تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى} أي: ما التي بيمينك. والصواب ما ذهب إليه البصريون بأن (هؤلاء، وتلك وهذا) أسماء إشارة وليست موصولة، ورد ابن الأنباري وابن يعيش ما احتج به الكوفيون. الإنصاف 2/717 – 722، شرح المفصل 4/23 – 25، شرح الكافية 2/42 شرح التصريح 1/138 ، 139.
[23645]:في ب: وأنشدوا أيضا.
[23646]:عجز بين من بحر الطويل قاله يزيد بن مفرغ الحميري، وصدره: عدس ما لعبّاد عليك إمارة. اللسان (عدس). عَدَسْ: اسم زجر للبغل ليسرع. عباد: هو عباد بن زياد والي سجستان في عهد معاوية بن أبي سفيان. والشاهد فيه أنّ الكوفيين ينشدون هذا البيت استدلالا على أن (هذا) اسم موصول بمعنى (الذي)، وجملة (تحملين) صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: تحملينه، و (طليق) خبر المبتدأ . وقد رد البصريون احتجاج الكوفيين على أن (هذا) اسم الإشارة، لأن (ها) التنبيه لا تدخل على الموصولات، وهو مبتدأ و (طليق) خبره، وجملة (تحملين) حال من فاعل (طليق) المستتر فيه متقدمة على عاملها، أي: وهذا طليق محمولا لك. وقد تقدم.
[23647]:فإنه قال: (وقوله: {وما تلك بيمينك يا موسى} يعني: عصاه، ومعنى "تلك" هذه، وقوله: {بيمينك} في مذهب صلة لـ (تلك)، لأن تلك، وهذه توصلان كما توصل الذي) معاني القرآن 2/177.
[23648]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/25.
[23649]:ما بين القوسين في ب: فإن قيل.
[23650]:في ب: فالجواب.
[23651]:في ب: الأول.
[23652]:إذا سقط من ب.
[23653]:في ب: قد عرفت هل عرفت هذا؟ وهو تحريف.
[23654]:في ب: على معرفته بلسانه. وهو تحريف.
[23655]:في ب: بقلبه.
[23656]:في الأصل: لا يخاف منها.
[23657]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23658]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23659]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/26.
[23660]:ما بين القوسين في ب: فإن قيل.
[23661]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23662]:عليهما السلام: سقط من ب.
[23663]:في ب: لما.
[23664]:فقد: سقط من ب.
[23665]:[النجم: 10].
[23666]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23667]:في ب: كما.
[23668]:أخرجه الإمام مالك (نداء) 1/3/ وأحمد 2/67.
[23669]:في ب: محمد صلى الله عليه وسلم.
[23670]:[يس: 58].