السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ} (25)

{ ألا يسجدوا لله } أي : أن يسجدوا له ، فزيدت لا وأدغم فيها نون أن ، كما في قوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } ( الحديد : 29 ) والجملة في موضع مفعول يهتدون بإسقاط إلى ، هذا إذا قرئ بالتشديد وهي قراءة غير الكسائي ، وأمّا الكسائي : فقرأ بتخفيف ألا فألا فيها تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء ومناداه محذوف كما حذفه من قال :

ألايا اسلمي يا دار ميّ على البلى *** ولا زال منهلاً بجرعائك القطر

ويقف الكسائي على ألا ، وعلى يا ، وعلى اسجدوا ، وإذا ابتدأ اسجدوا ابتدأ بالضم ، ثم وصف الله تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من الاتصاف بكمال القدرة والعلم حثاً على السجود له وردّاً على من يسجد لغيره سبحانه وتعالى بقوله : { الذي يخرج الخبء } وهو مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات وغيرهما وخصه بقوله : { في السماوات والأرض } لأنّ ذلك منتهى مشاهدتنا فننظر ما يكون فيهما بعد أن لم يكن من سحاب ومطر ونبات وتوابع ذلك من الرعد والبرق وما يشرق من الكواكب ويغرب إلى غير ذلك من الرياح والحرّ والبرد وما لا يحصيه إلا الله تعالى { ويعلم ما تخفون } في قلوبهم { وما تعلنون } بألسنتهم ، وقرأ الكسائي وحفص بالتاء الفوقية فيهما ، والباقون بالتحتية ، فالخطاب ظاهر على قراءة الكسائي لأنّ ما قبله أمرهم بالسجود وخاطبهم به ، والغيبة على قراءة الباقين غير ظاهرة لتقدّم الضمائر الغائبة في قوله { أعمالهم } { فصدهم } و{ فهم } وأمّا قراءة حفص فتأويلها أنه خرج إلى خطاب الحاضرين بعد أن أتم قصة أهل سبأ ، ويجوز أن تكون إلتفاتاً على أنه نزل الغائب منزلة الحاضر فخطابه ملتفتاً إليه .