السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي غاية في الدناءة أقبل عليهم إقبالاً يدلهم على تناهي الغضب بقوله تعالى : مؤكداً محققاً لأجل إنكارهم : { لقد كان لكم } أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم { في رسول الله } الذي جلاله من جلاله وكماله من كماله { أسوة } أي : قدوة { حسنة } أي : صالحة وهو المؤتسى به أي : المقتدى به ، كما تقول في البيضة : عشرون منَّاً حديداً أي : هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد ، أو أن فيه خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها ، كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد إذ كسر رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه ، وأوذي بضروب الأذى ، فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك واستسنوا بسنته .

تنبيه : الأسوة اسم وضع موضع المصدر وهو الائتساء ، فالأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء وائتسى فلان بفلان أي : اقتدى به ، وقرأ عاصم بضم الهمزة والباقون بكسرها وهما لغتان : كالعُدوة والعِدوة ، والقُدوة والقِدوة وقوله تعالى : { لمن كان } أي : كوناً كائنه جبلة له { يرجو الله } أي : في جبلته أنه يجدد الرجاء مشمراً للذي لا عظيم في الحقيقة سواه ، فيؤمل إسعاده ويخشى إبعاده . تخصيص بعد التعميم للمؤمنين أي : أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله . قال ابن عباس : يرجو ثواب الله ، وقال مقاتل : يخشى الله { واليوم الآخر } أي : يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال { وذكر الله } أي : الذي له صفات الكمال وقيده بقوله تعالى : { كثيراً } تحقيقاً لما ذكر في معنى الرجاء الذي به الفلاح أو أن المراد به الدائم في حال السراء والضراء .